فإن قيل: قوله في الحديث المصدر به هذا الفصل «إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه» دال على عدم استمرار الحياة.

فالجواب من وجوه: الأول: أن البيهقي استدل به على حياة الأنبياء، قال: وإنما أراد والله أعلم إلا وقد رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه، الثاني: أن السبكي قال: يحتمل:

أن يكون ردّا معنويا، وأن تكون روحه الشريفة مشتغلة بشهود الحضرة والملأ الأعلى عن هذا العالم؛ فإذا سلم عليه أقبلت روحه على هذا العالم لتدارك السلام وترد على المسلّم، يعني أن رد روحه الشريفة التفات روحاني، وتنزّل إلى دوائر البشرية من الاستغراق في الحضرة العلية. الثالث: قال بعضهم: هو خطاب على مقدار فهم المخاطبين في الخارج من الدنيا أنه لا بد من عود روحه حتى يسمع ويجيب، فكأنه قال: أنا أجيب ذلك تمام الإجابة، وأسمعه تمام السماع، مع دلالته على رد الروح عند سلام أول مسلّم، وقبضها بعد لم يرد، ولا قائل بتكرر ذلك، إذ يفضي ذلك إلى توالي موتات لا تحصر، مع أننا نعتقد ثبوت الإدراكات كالعلم والسماع لسائر الموتى، فضلا عن الأنبياء، ويقطع بعود الحياة لكل ميت في قبره، كما ثبت في السنة، ولم يثبت أنه يموت بعد ذلك موتة ثانية، بل ثبت نعيم القبر وعذابه، وإدراك ذلك من الأعراض المشروطة بالحياة، لكن يكفي فيه حياة جزء يقع به الإدراك، فلا يتوقف على البنية كما زعم المعتزلة.

وأما أدلّة حياة الأنبياء فمقتضاها حياة الأبدان كحالة الدنيا، مع الاستغناء عن الغذاء، ومع قوة النفوذ في العالم، وقد أوضحنا المسألة في كتابنا المسمى «بالوفا، لما يجب لحضرة المصطفى» صلى الله تعالى عليه وسلم.

وقال أبو محمد عبد الله بن عبد الملك المرجاني في أخبار المدينة له: قال صاحب الدر المنظم: إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لما مات ترك في أمته رحمة لهم، روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ما من نبي دفن إلا وقد رفع بعد ثلاث غيري، فإني سألت الله عز وجل أن أكون بينكم إلى يوم القيامة، اه وقال الحافظ ابن حجر: إن حديث «أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث» ذكره الغزالي لا أصل له، اه.

وروى عبد الرزاق أن سعيد بن المسيب رأى قوما يسلمون على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: ما مكث نبي في الأرض أكثر من أربعين، ثم روى عبد الرزاق إليّ حديث «مررت بموسى ليلة أسرى بي وهو قائم يصلي في قبره» كأنه أراد ردّ ما روي عن ابن المسيب، وهو رد صحيح، ولو صح قول ابن المسيب لم يقدح في مشروعية زيارة القبر؛ لشرفه بنسبته إليه صلى الله تعالى عليه وسلم، وعلاقته به، وابن المسيب لم ينكر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015