التسليم، وإنما أفاد تلك الفائدة، مع أنا قد قطعنا بوضع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في قبره الشريف، والأصل استمراره؛ فيستمر على ذلك حتى يقوم قاطع على خلافه، مع أنه جاء عن غير ابن المسيب ما يقتضي الاستمرار، فعن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أنه لما حصر أشار بعض الصحابة عليه أن يلحق بالشام، فقال: لن أفارق دار هجرتي ومجاورة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيها، وقصة سعيد بن المسيب في سماعه الأذان والإقامة من القبر الشريف أيام الحرة مشهورة.
وقال يحيى: حدثنا هرون بن عبد الملك ابن الماجشون أن خالد بن الوليد بن الحارث بن الحكم بن العاص وهو ابن مطيرة قام على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة فقال: لقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وهو يعلم أنه خائن، ولكن شفعت له ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها، وداود بن قيس في الروضة، فقام فقال: أس، أي بسكته، قال: فمزق الناس قميصا كان عليه شقائق حتى وتروه، وأجلسوه حذرا عليه منه، وقال: رأيت كفّا خرجت من القبر قبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يقول: كذبت يا عدوّ الله، كذبت يا كافر، مرارا.
وممن سافر إلى زيارة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من الشام إلى قبره عليه السلام بالمدينة بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، كما رواه ابن عساكر بسند جيد عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، قال: لما رحل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه من فتح بيت المقدس فصار إلى جابية، سأله بلال أن يقره بالشام، ففعل، وذكر قصة في نزوله بداريا، قال: ثم إن بلالا رأى في منامه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يقول: ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني يا بلال؟ فانتبه حزينا وجلا خائفا، فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه، فأقبل الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما، فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا له: يا بلال، نشتهي أن نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في المسجد، ففعل، فعلا سطح المسجد، فوقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلما أن قال «الله أكبر الله أكبر» ارتجّت المدينة، فلما أن قال:
«أشهد أن لا إله إلا الله» ازدادت رجتها، فلما أن قال «أشهد أن محمدا رسول الله» خرجت العواتق من خدورهن، وقالوا: بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فما رؤي يوم أكثر باكيا ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من ذلك اليوم، كذا ذكر ابن عساكر فيما نقل السبكي، فقال الحافظ عبد الغني وغيره في ترجمة