استثنى الله عز وجل» قال البيهقي: وهذا إنما يصح على أن الله عز وجل يردّ على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أرواحهم، فهم أحياء عند ربهم كالشهداء، فإذا نفخ في الصور النفخة الأولى صعقوا فيمن صعق، ثم لا يكون ذلك موتا في جميع معانيه، إلا في ذهاب الاستشعار في تلك الحالة. ويقال: إن الشهداء ممن استثنى الله عز وجل بقوله: (إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ) قال: وروينا في ذلك خبرا مرفوعا، وذكر أيضا حديث أوس بن أوس مرفوعا «أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي» قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يقولون بليت، فقال «إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه، وذكر البيهقي له شواهد، ثم ذكر حديث «إن لله ملائكة سيّاحين يبلغون عن أمتي السلام» وغيره.
وروى ابن ماجه بإسناد جيد- كما قال المنذري- عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة، وإن أحد يصليّ علي إلا عرضت عليّ صلاته حين يفرغ منها» قال: قلت: وبعد الموت؟ قال «وبعد الموت، إن الله حرم عليّ الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام» فنبي الله صلى الله عليه وسلم حي يرزق، هذا لفظ ابن ماجه، قال السبكي: وفي إسناده زيد بن أيمن عن عبادة بن نسئ، إلا أنه بتقوى باعتضاده بغيره.
وروى البزار برجال الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن لله ملائكة سيّاحين يبلغونّي عن أمتي» قال: وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «حياتي خير لكم، تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم، تعرض علي أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم» .
وقال الأستاذ أبو منصور البغدادي في أجوبة مسائل الجاجرميين: قال المتكلمون المحققون من أصحابنا: إن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم حي بعد وفاته، يسرّ بطاعات أمته، وإن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لا يبلون، وسيأتي في الفصل الثالث قول ابن حبيب:
فإنه صلى الله عليه وسلم يسمع ويعلم وقوفك بين يديه.
وقال البيهقي في كتاب الاعتقاد: الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعد ما قبضوا ردّت إليهم أرواحهم؛ فهم أحياء عند ربهم كالشهداء، وقد رأى نبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة المعراج جماعة منهم، قال: وقد أفردنا لإثبات حياتهم كتابا.
قلت: ويؤيد ذلك حديث «إن عيسى ابن مريم عليه السلام مار بالمدينة حاجا أو معتمرا، وإن سلم عليّ لأردّنّ عليه» .