لكان لجار ذلك المجاور نحو ذلك؛ فيلزم أن يكون ما جاور المدينة أفضل من مكة، وليس كذلك اتفاقا، كذا أجاب به بعض المتقدمين، وفيه نظر، انتهى.
قلت: لم يبين وجه النظر، ولعل وجهه أن الأفضل لقوة أصالته في الفضل يفيد مجاوره الأفضلية لمزية هذه المجاورة الخاصة، وهي منتفية عن مجاور المجاور، ألا ترى أن جلد المصحف قد ثبت له مزية التعظيم للمجاورة، ولم يلزم من ذلك ثبوت نحوها لمجاوره، وأيضا فالمقتضى لتفضيل المدينة خلقه صلّى الله عليه وسلّم من تربتها، وهذا لا يوجد لمجاورها، والله أعلم.
في الحث على الإقامة بها، والصبر على لأوائها وشدتها، وكونها تنفي الخبث والذنوب، ووعيد من أرادها وأهلها بسوء أو أحدث بها حدثا أو آوى محدثا.
روينا في الصحيحين حديث «من صبر على لأوائها وشدتها كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة» .
وفي صحيح مسلم عن سعيد مولى المهري أنه جاء إلى أبي سعيد الخدري ليالي الحرة، فاستشاره في الجلاء من المدينة، وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله، وأخبره أن لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها، فقال: ويحك! لا آمرك بذلك، إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يصبر» وفي رواية «لا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة» وفي رواية «فقال أبو سعيد: لا تفعل، الزم المدينة» وذكر الحديث بزيادة قصة.
وفي مسلم وفي الموطأ والترمذي عن يحنّس مولى مصعب بن الزبير أنه كان جالسا عند ابن عمر في الفتنة، فأتته مولاة له تسلم عليه، فقالت: إني أردت الخروج يا أبا عبد الرحمن، اشتد علينا الزمان، فقال لها عبد الله: اقعدي لكاع (?) ، ولفظ الترمذي: اصبري لكاع. فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة» .
فإن قيل: ما معنى التردد في قوله: «شفيعا أو شهيدا» ؟ وما معنى هذه الشفاعة مع عموم شفاعته صلّى الله عليه وسلّم؟