قلنا: ذكر عياض ما ملخصه أن بعض مشايخه جعل «أو» للشك من الراوي، وأن الظاهر خلافه لكثرة رواته بذلك، بل الظاهر أنه من لفظه صلّى الله عليه وسلّم فإما أن يكون أعلم بهذه الجملة هكذا، وإما أن تكون «أو» للتقسيم، ويكون شفيعا للعاصين وشهيدا للمطيعين، أو شهيدا لمن مات في حياته وشفيعا لمن مات بعده، قال: وهذه الشفاعة أو الشهادة زائدة على الشفاعة للمذنبين أو للعاملين في القيامة وعلى شهادته على جميع الأمم، فيكون لتخصيصهم بذلك مزية وزيادة منزلة وحظوة قال: ويحتمل أن يكون «أو» بمعنى الواو.

قلت: ويدل له ما رواه البزار برجال الصحيح عن عمر رضي الله عنه بلفظ: «فمن صبر على لأوائها وشدتها كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة» وأسنده ابن النجار بلفظ: «كنت له شفيعا وكنت له شهيدا يوم القيامة» وأسنده المفضل الجندي في فضائل المدينة عن أبي هريرة أيضا بلفظ: «لا يصبر أحد على لأواء المدينة» وفي نسخة: «وحرها إلا كنت له شفيعا وشهيدا» قال القاضي: وإذا جعلنا «أو» للشك فإن كانت اللفظة شهيدا فالشهادة أمر زائد على الشفاعة المجردة المدخرة لغيرهم من الأمة، وإن كانت اللفظة شفيعا فهذه شفاعة غير العامة تكون لأهل المدينة بزيادة الدرجات أو تخفيف الحساب أو بإكرامهم يوم القيامة بأنواع من الكرامات كإيوائهم في ظل العرش أو كونهم في روح (?) وعلى منابر أو الإسراع بهم إلى الجنة أو غير ذلك من خصوص الكرامات. قلت: ويحتمل: أن يجمع لهم ببركة شفاعته صلّى الله عليه وسلّم أو شهادته الخاصة بين ذلك كله؛ فالجاه عظيم، والكرم واسع، وتأيد الوصية بالجار يؤيد ذلك، ويحتمل أيضا: أن يكون المراد مع ذلك البشرى بموتهم على الإسلام؛ لأن شفاعته وشهادته صلّى الله عليه وسلّم المذكورة خاصة بالمسلمين، وكفى بذلك نعمة ومزية، وسيأتي الإشارة إلى نحو ذلك في أول الباب الثامن.

وفي الموطأ والصحيحين حديث: «تفتح اليمن فيأتي قوم يبسّون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» الحديث.

وقوله «يبسون» بفتح المثناة التحتية أوله وضم الباء الموحدة وكسرها، ويقال أيضا بضم المثناة وكسر الموحدة- يسوقون بهائمهم سوقا شديدا، وقيل: البسّ: سرعة الذهاب.

المدينة تنفي الخبث

وفي مسلم حديث «يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه أو قريبه: هلم إلى الرخاء، هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذي نفسي بيده لا يخرج

طور بواسطة نورين ميديا © 2015