على طبيعة عاملة فيه بقواها الدائبة الثابتة، ففنها الجميل هو التركيب الذي تجيء فيه كما ترى الشجر مثلًا كاسيًا من ورقه وزهره، فأنت منه بإزاء عمل جميل لأنك بإزاء حقيقة طبيعية قد انفردت في ذاتها، ومعنى انفرادها في ذاتها أنها كذلك هي، فليس فيها موضع لشيء غير ما هو فيها؛ ثم لا تنس أن النبوة أكبر السبب في ذلك الوضوح البياني العجيب؛ فإن الحياة لا تستغلق في البلاغة بإنسان إلا وهي غنية عنه؛ ولعل غموض بعض الفلاسفة وبعض الشعراء هو من دليل الطبيعة على أنهم زائدون في الطبيعة.. ألا ترى أن من أساليبهم الفلسفية والشعرية ما يجعل معنى الكلمة أحيانًا هو نقض معناها1 إذ يتصنعون للفكر ويستجلبون له ويشققون فيه كما يفعل أهل صناعة الألفاظ بالألفاظ، فههنا البديع اللفظي؛ وهناك "البديع الفكري" ولا طائل وراءهما إلا صناعة وبهرجة.
ومتى كان النبي قسمًا من الحياة، بل مادة لمعانيها الجديدة، فلن يكون بيانه إلا على ما وصفنا لك جمالًا، ووضوحًا، ومنفعة، ودقة، وسموًا بقدر ذلك كله.
وهنا معنى نريد أن ننبه إليه ونتكلم في سره وحقيقته، فإنك تقرأ ما جمع من الكلام النبوي فلا تصيب فيه ما تصيبه في بلاغة أدباء العالم مما فنه الكلام في المرأة، والحب، وجمال الطبيعة، وهو في بلاغة الناس كالقلب في الجسم: لا تخلو منه ولا تقوم إلا به، حتى تجد الكلام في المرأة وحدها شطر الأدب الإنساني، كما أن المرأة هي شطر الإنسانية، ولا يعرف له صلى الله عليه وسلم في هذه الأغراض إلا كلمات بيانية جاءت بما يفوق الوصف من الجمال والدقة، متناهية في الحسن، طاهرة في الدلالة، يظهر في وجه بلاغتها ما يظهر في وجه العذراء من طبيعة الحياء والخفر؛ كقوله في النساء: "رفقًا بالقوارير"، وقوله لأسامة بن زيد، وقد كساه قبطية2 فكساها امراته: "أخاف أن تصف حجم عظامها"، قال الشريف الرضي في شرح هذه الكلمة: وهذه استعارة، والمراد أن القبطية برقتها تلصق بالجسم، فتبين حجم الثديين، والرادفتين، وما يشتد من لحم العضدين والفخذين، فيعرف الناظر إليها مقادير هذه الأعضاء، حتى تكون كالظاهرة للحظه، والممكنة للمسه، فجعلها