وحي القلم (صفحة 323)

يكون الإسلام إسلامًا بغيرها؛ فلا غرو كانت الصلاة بهذا المعنى كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم وهي عماد الدين.

بين ساعات وساعات في كل مطلع شمس من حياة المسلم صلاة، أي إسلام النفس إلى الإرادة الاجتماعية الشاملة1 القائمة على الطاعة للفرض الإلهي، وإنكار لمعانيها الذاتية الفانية التي هي مادة الشر في الأرض، وإقرارها لحظات في حيز الخير المحض البعيد عن الدنيا وشهواتها وآثامها ومنكراتها، ومعنى ذلك كله تحقيق المسلم لوجود روحه؛ إذا كانت أعمال الدنيا في جملتها طرقا تتشتت فيها الأرواح وتتبعثر، حتى تضل روح الأخ عن روح أخيه فتنكرها ولا تعرفها!

وهذا الوجود الروحي هو مبعث الحالة العقلية التي جاء الإسلام ليهدي الإنسانية إليها, حالة السلام الروحاني الذي يجعل حرب الدنيا المهلكة حربا في خارج النفس لا في داخلها، ويجعل ثروة الإنسان مقدرة بما يعامل الله والإنسانية عليه؛ فلا يكون ذهبه وفضته ما كتبت عليه الدول: "ضرب في مملكة كذا"، ولكن ما يراه هو قد كتب عليه "صنع في مملكة نفسي"؛ ومن ثم لا يكون وجوده الاجتماعي للأخذ حسب، بل للعطاء أيضا، فإن قانون المال هو الجمع، أما قانون العمل فهو البذل.

بالانصراف إلى الصلاة وجمع النية عليها، يستشعر المسلم أنه قد حطم الحدود الأرضية المحيطة بنفسه من الزمان والمكان، وخرج منها إلى روحانية لا يحد فيها إلا بالله وحده.

وبالقيام في الصلاة، يحقق المسلم لذاته معنى إفراغ الفكر السامي على الجسم كله، ليمتزج بجلال الكون ووقاره، كأنه كائن منتصب مع الكائنات يسبح بحمده.

وبالتولي شطر القبلة في سمتها الذي لا يتغير على اختلاف أوضاع الأرض، يعرف المسلم حقيقة الرمز للمركز الثابت في روحانية الحياة؛ فيحمل قلبه معنى الاطمئنان والاستقرار على جاذبية الدنيا وقلقها.

وبالركوع والسجود بين يدي الله، يشعر المسلم نفسه معنى السمو والرفعة على كل ما عدا الخالق من وجود الكون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015