وحي القلم (صفحة 322)

حقيقة المسلم *:

لا يعرف التاريخ غير محمد صلى الله عليه وسلم رجلًا أفرغ الله وجوده في الوجود الإنساني كله؛ كما تنصب المادة في المادة، لتمتزج بها فتحولها، فتحدث منها الجديد، فإذا الإنسانية تتحول به وتنمو، وإذا هو صلى الله عليه وسلم وجود سار فيها فما تبرح هذه الإنسانية تنمو به وتتحول.

كان المعنى الآدمي في هذه الإنسانية كأنما وهن من طول الدهر عليه، يتحيفه ويمحوه ويتعاوره بالشر والمنكر؛ فابتعث الله تاريخ العقل بآدم جديد بدأت به الدنيا في تطورها الأعلى من حيث يرتفع الإنسان على ذاته، كما بدأت من حيث يوجد الإنسان في ذاته؛ فكانت الإنسانية دهرها بين اثنين: أحدهما فتح لها طريق المجيء من الجنة، والثاني فتح لها طريق العودة إليها, كان في آدم سر وجود الإنسانية، وكان في محمد سر كمالها.

ولهذا سمي الدين "بالإسلام"؛ لأنه إسلام النفس إلى واجبها، أي إلى الحقيقة من الحياة الاجتماعية؛ كأن المسلم ينكر ذاته فيسلمها إلى الإنسانية تصرفها وتعتملها في كمالها ومعاليها؛ فلا حظ له هو من نفسه يمسكها على شهواته ومنافعه، ولكن للإنسانية بها الحظ.

وما الإسلام في جملته إلا هذا المبدأ, مبدأ إنكار الذات و"إسلامها" طائعة على المنشط والمكره لفروضها وواجباتها؛ وكلما نكصت إلى منزعها الحيواني، أسلمها صاحبها إلى وازعها الإلهي؛ وهو أبدًا يروضها على هذه الحركة ما دام حيا؛ فينتزعها كل يوم من أوهام دنياها، ليضعها ما بين يدي حقيقتها الإلهية, يروضها على ذلك كل يوم وليلة خمس مرات مسماة في اللغة خمس صلوات، لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015