وحي القلم (صفحة 313)

والنقص والألم؛ لتخرج منه في صورة فيها النظام والحكمة واللذة الروحية.

يعشق الرجل العامي المتزوج، فإذا الساعة التي أوبقته في المشكلة قد جاءته معها بطريقة حلها: فإما ضرب امرأته بالطلاق، وإما أهلكها باتخاذ الضرة عليها، وإما عذبها بالخيانة والفجور؛ لأن بعض العبث من الطبيعة في نفس هذا الجاهل هو بعينه عبث الطبيعة بهذا الجاهل في غيره، كأن هذه الطبيعة تُطلق مدافعها الضخمة على الإنسانية من هذه النفوس الفارغة.

وليس أسهل على الذكر من الحيوان أن يحل مشكلة الأنثى حلا حيوانيا كحل هذا العامي، فهو ظافر بالأنثى أو مقتول دونها ما دام مطلقًا مخلًّى بينه وبينها؛ والحقيقة هنا حقيقته هو، والكون كله ليس إلا منفعة شهوانية؛ وأسمى فضائله ألا يعجز عن نيل هذه المنفعة.

ثم يعشق الرجل الحكيم المتزوج فإذا لمشكلته وجه آخر, إذ كان من أصعب الصعب وجود رجل يحل هذه المشكلة برجولة، فإن فيها كرامة الزوجة وواجب الدين وفيها حق المروءة، وفيها مع ذلك عبث الطبيعة وخداعها وهَزْلها الذي هو أشد الجد بينها وبين الغريزة؛ وبهذا كله تنقلب المشكلة إلى معركة نفسية لا يحسمها إلا الظفر، ولا يعين عليها إلا الصبر, ولا يفلح في سياستها إلا تحمل آلامها، فإذا رُزق العاشق صبرًا وقوة على الاحتمال فقد هان الباقي, وتيسرت لذة الظفر الحاسم، وإن لم يكن هو الظفر بالحبيبة؛ فإن في نفس الإنسان مواقع مختلفة وآثارًا متباينة للذة الواحدة، وموقعٌ أرفعُ من موقع، وأثرٌ أبهجُ من أثر؛ وألذ من الظفر بالحبيبة نفسها عند الرجل الحكيم الظفر بمعانيها، وأكرم منها على نفسه كرامة نفسه. وإذا انتصر الدين والفضيلة والكرامة والعقل والفن، لم يبق لخيبة الحب كبير معنى ولا عظيم أثر، ويتوغل العاشق في حبه وقد لَبِسَتْهُ حالة أخرى كما يكظم الرجل الحليم على الغيظ. فذلك يحب ولا يطيش، وهذا يغتاظ ولا يغضب. والبطل الشديد البأس لا ينبغ إلا من الشدائد القوية، والداهية الأريب لا يخرج إلا من المشكلات المعقدة، والتقيّ الفاضل لا يُعرَف إلا بين الأهواء المستحكمة. ولعمري إذا لم يستطع الحكيم أن ينتصر على شهوة من شهوات نفسه، أو يبطل حاجة من حاجاتها، فماذا فيه من الحكمة، وماذا فيه من النفس؟

وما عَقَّد "المشكلة" على صاحبها بين زوجته وحبيبته، إلا أنه بخياله الفاسد قد أفسد القوة المصلِحَة فيه، فهو لم يتزوج امرأته كلها ... وكأنه لا يراها أنثى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015