وحي القلم (صفحة 314)

كالنساء، ولا يُبصر عندها إلا فروقًا بين امرأتين: محبوبة ومكروهة؛ وبهذا أفسد عينه كما أفسد خياله؛ فلو تعلّم كيف يراها لرآها، ولو تعودها لأحبها.

إنه من وهمه كالجواد الذي يشعر بالمَقَادة في عنقه؛ فشعوره بمعنى الحبل وإن كان معنًى ضئيلًا عطّل فيه كل معاني قوته، وإن كانت معاني كثيرة. وما أقدرك أيها الحب على وضع حبال الخيل والبغال والحمير في أعناق الناس!

وقد بقي أن نذكر، توفيةً للفائدة، أنه قد يقع في مثل هذه المشكلة من نقصَت فحولته من الرجال، فيدلِّس على نفسه بمثل هذا الحب، ويبالغ فيه، ويتجرَّم على زوجته المسكينة التي ابتُليتْ به، ويختلق لها العلل الواهية المكذوبة، ويبغضها كأنه هو الذي ابتُلي بها، وكأن المصيبة من قِبَلها لا من قِبَله؛ وكل ذلك لأن غريزته تحولت إلى فكره، فلم تعد إلا صورًا خيالية لا تعرف إلا الكذب. وقد قرر علماء النفس أن من الرجال من يكره زوجته أشد الكره إذا شعر في نفسه بالمهانة والنقص من عجزه عنها. فهذا لا يكون رجلًا لامرأته إلا في العداوة والنقمة والكراهية وما كان من باب شفاء الغيظ، وامرأته معه كالمعاهَدة السياسية من طَرَف واحد, لا قيمة ولا حرمة؛ وإذا أحب هذا كان حبه خياليًّا شديدًا؛ لأنه من جهة يكون كالتعزية لنفسه، ومن جهة أخرى يكون غيظًا لزوجته، وردًّا بامرأة على امرأة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015