كيف حالك مع ربك؟
كما أن للعين نور تُبصر به وترى ما حولها؛ فإذا ما غاب عنها عميت، كذلك فإن للقلب نور يُبصر به، ويرى حقائق الأمور فإذا ما غاب عنه ذلك النور عمِي وتاه وتخبط {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} [الإسراء: 72].
ونور القلب هو أهم مظهر لحياته، فبدونه يصير القلب مُظلما، قاسيًا ضيقًا موحشًا.
فإذا ما دخله بصيص من نور الإيمان تغيرت طبيعته، وتحسنت حالته، وظهرت بعض الآثار الإيجابية على صاحبه.
وعندما يستمر النور في الدخول، والإيمان في الزيادة والنمو؛ يتنوَّر القلب أكثر وأكثر، وتتحسن صحته، وينعكس ذلك بالإيجاب على اهتمامات وسلوك صاحبه.
أما إذا ما دخل نور الإيمان القلب - بإذن الله - ثم لم يعمل صاحبه باستمرار على زيادته؛ فسينقص حجمه، وقد يضمحل، وينزوي في القلب، ومن ثَمَّ تزحف الظلمة إليه مرة ثانية لتكون النتيجة: اختفاء الكثير من الآثار الإيجابية والثمار الطيبة للإيمان {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16].
ويكفيك لتأكيد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الإيمان يَخْلَق في القلوب كما يخلق الثوب فجددوا إيمانكم» (?).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «تُعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودًا عودًا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء .. » الحديث (?).
كما أن للبدن مراحل نمو وارتقاء، كل مرحلة لها سماتها ومظاهرها، كذلك الإيمان في القلب.
والمرحلة الأولى للارتقاء الإيماني هي مرحلة «بداية اليقظة» .. يقظة القلب بنور الإيمان، حيث يمُنُّ الله عز وجل على العبد بإدخال نور الإيمان إلى قلبه، لتبدأ الحياة تدب في جنباته، وتبدأ معها مرحلة جديدة في مسيرة صاحبه ... وكيف لا، والقلب - قبل يقظته - مظلم قد سيطر عليه الهوى وتحكم في مشاعره .. يفرح بما تفرح به نفسه وهواها، ويغضب لها، ويحزن على ما يفوتها أو يُضايقها {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122].
تبدأ اليقظة - في الغالب - ببصيص من النور يجعل القلب يفيق قليلًا من غفلته ويستيقظ من سُباته، ليبدأ معها العقل في التفكير في حقيقة الحياة والموت، ويزداد شغفه للتعرف على تفاصيل ما يحدث بعد الموت، ومن المتوقع في هذه المرحلة، سيطرة الشعور بالندم على القلب كلما استرجع ذكريات الماضي، والأخطاء التي وقع فيها في حق الله، وفي حق الآخرين، فيدفعه هذا الشعور إلى الحياء من الله عز وجل والرجاء في عفوه ومغفرته وتوبته، ويدفعه كذلك إلى العمل على رد الحقوق التي استلبها من الآخرين.
وفي هذه المرحلة الأولى من مراحل الارتقاء الإيماني من المتوقع أن يَصغُر حجم الدنيا - ولو قليلا- في عين العبد، وينعكس ذلك على تعامله مع مفرداتها، فبعد أن كان يُسابق ويُنافس عليها، ويُفكِّر فيها ليل نهار، ولا يُبالي - في سبيل نيلها - بغيره، وبالضرر الذي قد يُسببه للآخرين ... تجد حرصه عليها يتناقص، ليثمر ذلك تحسنا ملحوظا في المعاملات والعمل على ضبطها بضوابط الشرع، وإن بقي الكثير من حب الدنيا في القلب.