ومن أهم المظاهر العملية لهذه المرحلة: الاتجاه الإيجابي نحو أداء العبادات وفضائل الأعمال، فتجد العبد حريصًا على أداء الصلوات المكتوبة في أول وقتها، وإلحاقها بسننها الراتبة، وكذلك صيام رمضان وقيامه، والإكثار من صيام التطوع، وتتملكه الرغبة في تعلم أحكام تلاوة القرآن، وحفظ بعض سوره وأجزائه، ويزداد حرصه على سماع دروس العلم، والالتزام بما يمكن الالتزام به مما يُرضي الله عز وجل من عبادات الجوارح، ويزداد حرصه كذلك على نفع الآخرين والقيام بحقوقهم عليه فتجده يصل الرحم، ويُعين المحتاج، ويسعى في قضاء حوائج الناس.
وصل العديد - بفضل الله - إلى مرحلة «بداية اليقظة»، وكانوا منها على قسمين:
القسم الأول: قسم فرح بآثار اليقظة، وبالتغيير المحدود الذي حدث له، ففترت همته وعزيمته للعمل على استكمال الترقي الإيماني، واكتفى بما صار إليه، ونسي أن الإيمان يزيد وينقص، وأن النفس له بالمرصاد؛ مما يجعل الإيمان يتناقص في قلبه شيئًا فشيئًا، فتعود - بالتدريج - السيطرة للهوى مما يؤثر بالسلب على اهتماماته وسلوكياته.
نعم، في الغالب لن يعود لسابق عهده من الغفلة الشديدة والنوم العميق، والسيطرة التامة للهوى، إلا أن أحواله الإيجابية ستقل كثيرًا عن المستوى الذي بدأ به مرحلة «بداية اليقظة»، فهو يُصلي لكنه ليس - كالسابق - حريصًا على الصلاة في أول وقتها بالمسجد وبخاصة صلاة الفجر .. وهو لا يسرق لكنه غير منضبط انضباطًا صحيحًا في معاملاته المادية ... وهو لا يكذب، لكنه قد لا يقول الحقيقة كاملة تنصُّلًا من لوم الآخرين أو تحقيقًا لمصلحة يتوهم تحقيقها.
أما القسم الثاني: فهو قسم قد علِم أن ما مَنَّ الله عليه من دخول نور الإيمان إلى قلبه ما هو إلا «بداية» رحلة سير القلب إلى الله، فشمَّر عن ساعد الجد، واجتهد في تعاهد وإمداد القلب بالإيمان.
هذا القِسم من المتوقع أن يُكرمه الله عز وجل فينتقل إلى مرحلة جديدة من مراحل الارتقاء الإيماني، وهي مرحلة: «تمكُّن واستحكام اليقظة».
ومن مظاهر هذه المرحلة:
- زيادة الحرص على فعل الخير أكثر وأكثر.
- زيادة الورع.
- انصراف الرغبة - بعض الشيء - عن الدنيا، وعدم الفرح الشديد بإقبالها وزيادتها، أو الحزن العميق على فواتها ونُقصانها.
- ازدياد التفكير في الموت وإمكانية لقائه في أي وقت، مما يدفعه إلى زيادة التشمير والسباق نحو فعل الخير.
ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه العلامات، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله، قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: 22]. كيف انشرح الصدر؟ قال: «إذا دخل النور القلب انشرح وانفتح»، قلنا: يا رسول الله، وما علامة ذلك؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله» (?).
عندما تتمكن اليقظة من القلب ويستمر الإمداد الإيماني، فإن ذلك من شأنه أن ينعكس على معاملات العبد في شتى المجالات وبخاصة في تعامله مع ربه، ومع الدنيا، ومع المال، ومع الناس، ومع أحداث الحياة ...