الشرك في قوم إبراهيم:
قال الشهرستاني في " الملل والنحل " (1/560-563) : "وكانت الفرق في زمان الخليل -عليه السلام- راجعة إلى صنفين اثنين:
أحدهما: الصابئة.
والثاني: الحنفاء.
فالصابئة كانت تقول: إنا نحتاج في معرفة الله تعالى ومعرفة طاعته وأوامره وأحكامه إلى " متوسط "، لكن ذلك المتوسط يجب أن يكون روحانياً لا جسمانياً، وذلك لزكاء الروحانيات وطهارتها وقربها من رب الأرباب، والجسماني بشر مثلنا يأكل مما نأكل، ويشرب مما نشرب، يماثلنا في المادة والصورة. قالوا: {وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ} [المؤمنون: 34] .
والحنفاء كانت تقول: إنا نحتاج -في المعرفة والطاعة- إلى متوسط من جنس البشر، تكون درجته في الطهارة والعصمة، والتأييد والحكمة: فوق الروحنيات، يماثلنا من حيث البشرية ويمايزنا من حيث الروحانية. فيتلقى الوحي بطرف الروحانية، ويلقي إلى نوع الإنسان بطرف البشرية، وذلك قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110] ، وقال عزَّ ذكره: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً} [الإسراء: 93] .
ثم لما لم يتطرق للصابئة الاقتصار على الروحانيات البحتة والتقرب إليها بأعيانها والتلقي عنها بذواتها، فزعت جماعة إلى هياكلها، وهي السيارات السبع وبعض الثوابت.
فصابئة النبط والفرس والروم: مفزعها السيارات.