هذه مفاهيمنا (صفحة 3)

قُطراً، ومنهم من فُوَّضَ له ربعُ العالم، ومنهم من فُوَّض له أمرُ الأرض كلها، وهو المسمى بالغوثِ، هكذا يزعمُ عبادُ القبور. وهؤلاء في ذلك كمن اعتقد تفويضَ الله أمرَ العالمَ للكواكبِ السبعة.

ومنهم من أبى عقلُه أن يشركَ في التصرف، كما فعله أولئك، ولكنه سار مع طائفةٍ أخرى في ما سماه أبو البقاء الكفويُّ في " الكليات ": شركَ تقريبٍٍ، وهو سائقٌ لشركِِ التصرف.

فادعى مع المُدَّعين، وخاض مع الخائضين، وطَلبَ من الأموات المقبورين أن يشفعوا له في غُفْران ذنبه، أو سَعَةِِ رزقه، أو رَفْع كربته، أو شفاء مريضه، يدعون الوسائطَ أن تتوسطَ لهم عند الله فتشفعَ بحاجاتهم.

وكأنَّ الله جَلَّ وعلا قد أغلقَ أبوابَهُ دون حاجاتهم ودَعَواتهم، وكأنه في ملزومِ فعلِهم لا يعطي ولا يُمَتِّعُ إلا بتوسطِِ وسيطٍٍ، وفي هذا من التنقصِ ما فيه.

وتجدُهم يتحببون لهذا المقبور بأنواع القُرَب: فمن مهريقٍ الدمَ باسمه، ومن ناذرٍ له، ومن طائفٍ حول قَبره يتقرب بالسعي والطوافِ لنيل شفاعته.

فهذان النوعان من الشرك الأكبر قد فَشَيا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد أشرتُ أثناءَ هذه الورقاتِ إلى أن أولَ من أحدث الشركَ الأكبرَ في المسلمين من هذه الأمة هم الباطنيون؛ وعلى رأسهم " إخوانُ الصفا "، وتولى كبر ذلك الدولةُ العبيدية.

وكثر انخداعُ الناسِِ، وخاصةً الجهالَ بها، ووجد أناسُ آخرون في ذلك نعم المصدرُ لاكتسابِ معايشهم، وراج ذلك أكثرَ ما راج في الصوفية لكثرة المتعبدين بجَهْلٍ فيهم، فصاروا لُعْبةً وسَلْوى لأولئك، يتحكمون فيهم؛ لأجل الدنيا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015