ولهذه الفتنةِ عن تحقيق معنى الشهادتين صور كثيرة، جمع صورَها هذا الزمانُ وأهله، وما اجتمعت في وقتٍ اجتماعها وتوارُدها في هذا الزمن، فما أقلَّ الفقيهَ بها، المجاهدَ لها، على تنوعها وتشعبها، وظهورها وجلائها.
فطوائفُ من الناس إذا سئلوا عن معنى كلمة التوحيد، ظنوا معناها لا خالقَ موجود إلا الله، وكأنَّ أهلَ الجاهلية والعمى ممن بعثت إليهم الرسلُ يقولون بتعدد المبدعين الخالقين المدبرين، حتى تبعثَ لهم الرسلُ بلا إله إلا الله.
والشأنُ أنَّ أولئك الجاهلين كانوا يُعَددون معبوديهم لا خالقَهم، فأتت الرسل بـ "لا إله إلا الله"، ومعناها ما قال نوح لقومه: {أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} [هود: 26] بالمطابقة.
والعبادة: هي الذلُّ والخضوعُ والاستكانة في لغة العرب، وسُمِّيت العباداتُ بذلك لأنها تُفْعَل مع الذلِّ والخضوع والاستكانة، وتورثُ الخضوعَ لربِّ العالمين في المآل، لأمره ونهيه، والأنسَ به والذلِّ بين يديه والانكسار.
هذا ما تعلمه العربُ من كلامها، فلفهمِهم المعنى أبوا أن يخضعوا لـ " لا إله إلا الله " ولو بنطقِ كلمة.
وإذا تدبرت أحوالَ بعض الناس اليومَ وجدتَ ذلَّهم وخضوعهم عند القبور وأبنيتها، وتحت قبَابِها، وفي المسير إليها أعظمَ من خَضَعَانِهم وانكسارهم، إذا كانوا في مسجدٍ لله ليس فيه قبر، ولا قُبَّة.
وعند القبورِ تلك من نواقضِ معنى إفرادِ الله بالعبادة شيء لا تحصر صوره، فمن طائف بالقبر سبعاً، ومن قائل: يا ولي الله! اشفِ مريضي، وأزلِ الدينَ عني. ومن قائل: أنا في حَسْبك ووقايتك ارفعِ الآفات عني. يعتقدون في المقبور أن له تصرفاً في الكون بتفويض اللهِ له التصرفَ، فمنهم من أُعطيَ بلداً يرزقُ من يشاء ويَدْفَعُ عمن يشاء، ومنهم من أعطي