وقال: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} [الصف: 6] ، قال شيخ الإسلام في " رده على البكري " (ص105) :
"فلو امتثلوا أمره كانوا مطيعين لرسل الله، موحدين لله، ونالوا بذلك السعادة من الله تعالى في الدنيا والآخرة، فغلوا فيه واتخذوه وأمه إلهين من دون الله: يستغيثون به وبغيره من الأنبياء والصالحين، ويطلبون منهم، ويشركون بهم، وكذبوا بالرسول الذي بشر به، وحرفوا التوراة التي صدق بها، وظنوا في ذلك أنهم معظمون للمسيح، وكان هذا من جهلهم وضلالهم.
فإنهم كلما أطاعوه فيما دعاهم إليه كان له مثل أجورهم، وكانت طاعتهم له، والإقرار بعبوديته، وبما بشر به فيه: وله ولهم من الأجر ما لا يحصيه إلا الله، ففوتوا هذا الأجر والثواب عليهم وعليه، وله ولهم فيه الخبر المستطاب، واعتاضوا عن ذلك بما ضرهم في الدنيا والآخرة.
وإذا بين لهم قدر المسيح فقيل لهم: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ} [المائدة: 75] ، قالوا: إن هذا تنقص بالمسيح، وسب له واستخفاف بدرجته وسوء أدب معه، بل قالوا: هذا كفر وجحد لحقه، وسلب لصفات الكمال الثابتة له " اهـ.
ففي حديث عمر " لا تطروني " إرشاداً إلى قطع وسائل الإطراء والأمر بأن نقول فيه: عبد الله ورسوله، هذا الذي ارتضاه صلى الله عليه وسلم لنفسه، أفلا نرتضي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما ارتضاه هو لنفسه؟ ! وقد نهى عن تعظيمه بأحاديث كثيرة؛ قطعاً وحسماً لمادة الإطراء المستوجبة لرفعه فوق منزلته التي أنزله الله، المؤدية لوصفه بما لا يجوز إلا لله.