والكاتب وضع يده على بقية الحديث لئلا يفهم منه قاري كلامه الفهم الصحيح واجتزاؤه هذا مخل، وهو من باب التحريف لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، تحريف معنى، إذ لا يتضح المعنى إلا بإتمامه، فإن معنى الحديث: لا تتجاوزا الحد في مدحي فيفضي بكم ذلك إلى ما آل بالنصارى لما أغرقوا في مدح وتعظيم عيسى -عليه السلام- فإنهم رأوا ما أجراه الله على يديه من معجزات كإحياء الموتى وإسماع الصم وإعادة الأبصار مع ضميمة كونه كلمة الله، فادعوا فيه الألوهية.
فالكاف في قوله صلى الله عليه وسلم: " كما" ليست كاف تشبيه، إنما هي كاف التعليل التي تدل على مآل الحال.
جاء في إنجيل " برنابا " في الفصل الرابع والتسعين قول عيسى -عليه السلام-: " إني أشهد أمام السماء، وأشهد كل ساكن على الأرض أني بريء من كل ما قاله الناس عني من أني أعظم من بشر؛ لأني بشر مولود من امرأة، وعرضة لحكم الله، أعيش كسائر البشر عرضة للشقاء العام ".
ثم جاء فيه رد النصارى عليه:
" قال الوالي وهيرو دوس: يا سيد! إنه لمن المحال أن يفعل بشر ما أنت تفعله، فلذلك لا تفقه ما تقول" اهـ.
هذا قول عيسى -عليه السلام- وقد أخبر الله عنه في المائدة، أنه قال: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117] ، وقال لهم: {اعْبُدُواْاللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}