ومعنى هذه النسبة: " السلفي": أنه ينهج نهج الصحابة وتابعيهم، فإن اتباع الكتاب والسنة كل يدعيه، وكل يطمح إلى شرف الانتساب إليه، وما كل ما ظنه المرء مطمحاً يصل إليه، فرب طامح تشعبت السبل به، فالفرق الضالة كلها تنتسب إلى الكتاب والسنة، كالمعتزلة من المتقدمين، والقاديانية من المتأخرين، والرافضة المتقدمين والمتأخرين وغير هؤلاء.
فحقيقة الانتساب الصحيح إلى الكتاب والسنة الذي به يفرق بين أهل السنة والجماعة وغيرهم اتباع الصحابة، وانتهاج منهجهم، وارتضاء طريقتهم، فبهذا تنقطع الأسباب المدعاة، ويظهر المحق والمبطل، وقد فُصِّل هذا الإجمال في موضع آخر من هذه " الورقات".
ومنها: ما هو خاص يضاف إلى القائل بالنسبة لمن سبقه كقولهم: سلفنا، فهذا لفظ يصدق على كل من تقدم القائل، ولا يقتضي رفعة في رتبة شرعية، ولا منزلة دينية، وهذا هو الذي يستعمله المؤلفون عند ذكر علماء الأمة الأجلاء المتأخرين عن مرتبة أولئك، وهو الذي يصدق على الذين ذكرهم المؤلف وأقدمهم وفاة العز بن عبد السلام وكانت وفاته في القرن السابع، وآخرهم ابن حجر الهيتمي.
وهؤلاء عند علماء الشافعية متأخرون كما هو اصطلاحهم في المتقدمين والمتأخرين، وحد التفرقة رأس الأربع مئة عند الشافعية، فإطلاق " سلف هذه الأمة" عليهم ليس مستقيماً لا باقتضاء لغوي ولا عرفي.
قال ص 41 في فصل " حقائق تموت بالبحث":
" وذلك مثلاً كاختلاف العلماء في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لله -سبحانه وتعالى- كيف كانت؟ والخلاف الطويل العريض الدائر بينهم في ذلك الباب، فمن قائل: رآه بقلبه، ومن قائل: رآه بعينه، وكل يورد دليله ويستنصر له