وهذا ما أرشد الخليفة الراشد إلى النهي عنه، وعن تتبع الآثار الأرضية، كما مَرّ في ما رواه المعرور بن سويد الأسدي.
الثاني: أن بركة ذوات الأنبياء والمرسلين لا تتعدى إلى الأمكنة الأرضية، وإلا لزم أن يكون كل أرضٍ وطئها، أو جلس عليها، أو طريق مر بها، تطلب بركتها، ويتبرك بها. وهذا لازم باطل قطعاً، فانتفى الملزوم، وهذا جلي لمن تأمل اتساعه وتسلسله.
الثالث: أن طلب التبرك بالأمكنة الأرضية خلاف سنة الأنبياء جميعاً قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلم يتحروا الآثار الأرضية للأنبياء قبلهم، ولا أمروا بتحريها، وكل ما كان خلاف ذلك فهو مما أحدثه الخلوف -الذين يفعلون ما لا يؤمرون- بعد أنبيائهم حين صعبت عليهم التكاليف الشرعية، فرغبوا في التعلق لغفران الذنوب وزيادة الحسنات بالتبرك المبتدع بالآثار المكانية؛ ولذا قال عمر: "إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، يتبعون آثار أنبيائهم"، وقد سبق تخريجه.
الرابع: أن الأمكنة الأرضية لا تكون مباركة إلا بدوم الطاعة فيها، وهي سبب إعطاء الله البركة، فالمساجد مباركة لذلك، وبركتها لا تكون مع زوال الطاعات عنها.
فمما يمثل به على هذا: أن المساجد التي غلب عليها الحربيون وصيروها كنائس زالت عنها بركة المسجد التي كانت حين كان يطاع الله فيه، وبعد أن أحدث فيها الشرك وتعبد فيها بغير شريعة الإسلام، فالبركة تنتزع، وهذا مما لا منازع فيه ولا مجادل.
الخامس: أن التبرك بالآثار المكانية وسيلة إلى ما هو أعظم: من تقديسها والاعتقاد فيها، ولا غرو، فقد قال الإخباريون عن أولاد إسماعيل صلى الله عليه وسلم: أنهم " ضاقت عليهم مكة، ووقعت بينهم الحروب والعداوات، وأخرج بعضهم بعضاً فتفسحوا في البلاد والتماس المعاش.