فصل
قال صاحب المفاهيم ص 156 بعد أن ساق آثاراً وأحاديث فيها تبرك بعض الصحابة بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض أجزاء ذاته، قال:
" والحاصل من هذه الآثار والأحاديث هو أن التبرك به صلى الله عليه وسلم وبآثاره وبكل ما هو منسوب إليه سنة مرفوعة، وطريقة محمودة مشروعة " اهـ.
أقول: في هذا الكلام إجمال سببه عدم التحقيق، وترك تدبر النصوص، فصاحب المفاهيم لم يفرق بين التبرك بذاته، أو ما انفصل منه، وبين الآثار الأرضية من بقاع صلى فيها، أو جلس فيها.
الأول: كما تقدم بيانه قد فعل بحضرة النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأقره فهو سنة ومشروع.
الثاني: وهو التبرك بالآثار الأرضية، فليس بمشروع، ولذا لم يستطع صاحب المفاهيم أن يأتي بدليلٍ يصدق عليه دعواه العريضة في قوله: "سنة مرفوعة "، وهذا من عدم التفرقة بين المتفرقات، وترك سبيل المحققين من أهل العلم.
ومما يدل على أن التبرك بالآثار الأرضية غير مشروع ومحدثٌ أمورٌ:
الأول: أن هذا النوع من التبرك لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل فيه شيء نقلاً مصدقاً، لا بإسنادٍ صحيح ولا حسن ولا ضعيف، فلم ينقل أن أحداً تبرك في زمانه بأثر له أرضي، وإذا لم ينقل مع توافر الدواعي على نقله، ووجود الهمم على نقل ما هو دونه بكثير: علم أنه لم يكن في زمانه صلى الله عليه وسلم وما كان كذلك فإحداثه بدعة، وكل بدعة ضلالة، والبدع يجب النهي عنها ومضادتها.