هذه مفاهيمنا (صفحة 17)

الثاني: أن قول القائل: أتوسل بأبي بكر وعمر ... خطأ محض، جَرَه إليه سقم فهمه، وكثافة ذهنه، واعتقاده أن كل شيء توسل به يكون وسيلة، وهذا غلط.

فمن قال أتوسل بأبي بكر مثلاً فقد جمع بين ذاتين، لا وسيلة ولا طريق توصل وتجمع أحدهما بالآخر، فكأنما هذا القائل قد لفظ لفظاً لا معنى له، بمنزلة من سرد الأحرف الهجائية، إذ لا اتصال بين ذاتِ المتوسِّل والمتوسَّل به حتى يجمع بينهما.

فلا بد من جامع يتوسل به، وهو حب الصحابة مثلاً، وهو من عمل المتوسِّل، فإذا قال: أتوسل إليك ربِّ بحبي لأبي بكر، أو بحبي لعمر، أو بحبي لصحابة نبيك كان هذا حسناً مشروعاً.

وكذا إن قال: أتوسل إليك بتوقيري وتعزيري وحبي واتباعي لنبيك نبي الرحمة، كان هذا من الوسائل النافعة. فلازم ذكر الإيمان أو العمل الصالح الذي يصل بين ذاتين لا يجمع بينهما إلا بجامع.

كما حكى الله عن عباده المؤمنين قولهم: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران 53] ، وقوله: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْأَنصَارٍ {192} رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْآمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّاسَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ} [آل عمران 193] . والآيات في هذا الباب كثرة.

فإذا كان خيرةُ الخلق الأنبياء والرسلُ وأتباعُهم وحواريوهم لم يحيلوا على ما في قلوبهم، بل قالوا بلسانهم ما حواه جنانهم، وهم الذين لا يشك بما في قلوبهم، أفلا يكون الخلوف الذين جاؤوا من بعدهم أولى وأحرى أن يفصحوا، وأن يظهروا، وأن لا يتحيلوا لفاسد قولهم بالمجاز العقلي؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015