فصل
قال صاحب المفاهيم ص 78:
" زعم بعضهم أنه لا يجوز أن تطلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا، بل ذهب البعض الآخر من المتعنتين إلى أن ذلك شرك وضلال، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: 44] وهذا الاستدلال باطل، ولا يدل على فهمهم الفاسد، وذلك من وجهين:
أولاً: أنه لم يرد نص لا في الكتاب ولا في السنة ينهى عن طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا" اهـ.
أقول: هو لا يعني بقوله في الدنيا حال حياته صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يعلم أن هذا لم يقله أحد، وإنما يعني بقوله: " في الدنيا" طلبها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته، كما صرح به بعد، بقوله ص81: "لا بأس بطلبها منه أيضاً بعد موته" اهـ.
وهذا الوجه مردود من وجوه كثيرة، أجتزئ منها أوجهاً:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته لا يقال إنه في الدنيا لا عقلاً ولا شرعاً.
الثاني: أن هذا برهان لا يقوم عند العارفين بالبراهين، إذ قوله: "لم يرد نص" متهافت، فمن أراد أن يثبت حكماً ويعتمده وينصره، فلا بد أن يأتي بنص يدل على ثبوته، فقوله بجواز طلب الشفاعة من المقبورين أنبياء وصالحين هو الذي يجب أن يبرهن عليه بنص، لا أن يقال لمن نفاه معتمداً على عمومات النصوص في حال المشركين، إنه لم يرد نص، وكذا لمن نفاه بناءً على النفي الأصلي حتى يرد دليل الإثبات؛ لأن العبادات توقيفية، لا بد لها من أدلة صريحة.