قلوبهم بغير الله فيتخذوهم أنداداً، فيذهب ذكرهم لربهم وحده، وحبهم له وحده، إذ نفعهم معلق في أذهانهم بوسائط.
إن من انفتح عليهم باب البدعة في التوسل ألقى بهم ولو بعد حين إلى دائرة الإشراك، إذ هو طريقه وسبيله، ومنه يتدرج إلى دعاء الأموات أنفسهم أو سؤالهم الشفاعة، أو الإغاثة، أو الإعانة.
وكل هذه صرح كاتب المفاهيم بتجويزها في مواضع من كتابه، كما سيأتي في مباحث الشفاعة. وكل ذلك من سيئات ترك الأصول المتفق عليها، واتباع المتشابهات المنهي عنها.
قال الكاتب ص 44:
"ونحن نرى أن الخلاف شكلي، وليس بجوهري؛ لأن التوسل بالذوات يرجع في الحقيقة إلى توسل الإنسان بعمله، وهو المتفق على جوازه ... ".
أقول: هذا خطل من القول، ومخادعة للنفس ظاهرة، إذ المتوسلون بالذوات يعلمون بُعْدَ هذا التبرير والتأويل، وأن الخلاف جوهري لا صوري، وبرهان ذلك فساد الدليل الذي ادعيتموه، وهو راجع إلى المجاز العقلي، والكلام فيه سيأتي مفصلاً، ثم هل عمل الذات المتوسَّل بها عمل للمتوسِّل به المتفق على جوازه؟ ولكنى أقول هنا على سبيل المجاراة والمناظرة:
هب أن الخلاف شكلي، أفلا يجب عليكم ترك الألفاظ الموهمة لأمور غير شرعية؟ فإن القائل: أتوسل بفلان، دالٌ ظاهر لفظه على التوسل بالذات المجردة عن الجامع بين الذاتين، ولا قرينة لفظية ولا غير لفظية، متصلة ولا غير متصلة تصرفه عن هذا الظاهر.
والقرينة المدعاة قلبية خفية، والحكم على ما في قلوب الناس فرع الاطلاع عليها، ولا سبيل إلى ذلك. ومن المتقرر أن الشريعة المطهرة جاءت بترك الألفاظ الموهمة لما ينهى عنه شرعأ، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا