وهذان الشرطان لازمان لكل شفاعة ترجى منفعتها، فأما الإذن: فهو إذن الله -تعالى- للشافع، ونكتة هذا القيد وسره صرف الوجوه إلى الله وإسلامها له وتعلقها به، وترك تعلقها بغيره لأجل الشفاعة؛ لذلك يساق هذا بعد ذكر التوحيد وذكر ما يدل على وجوب عبادة الله وحده، وهذا الشرط لم يفهمه فئام من الناس، ظنوا أن الاستثناء يفيد إثبات الشفاعة مطلقاً، وطلبها من غير الله فعادوا لما ظنه المشركون وقصدوه.
وحقيقتها أن الله إذا أراد رحمة عبده ونجاته أذن لمن شاء في الشفاعة رحمة للمشفوع فيه، وكرامة للشافع. وإذا سأله الشفاعة ولم يأذن الله له لم تنفعه كما في شفاعة نوح لابنه، وإبراهيم لأبيه، ونبينا محمدٍ لعمه في استغفاره، حتى نزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَنْ يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِمَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113] صلى الله عليهم وسلم تسليماً.
فالرسل المذكورون صلوات الله وسلامه عليهم لم يأذن الله لهم الإذن الشرعي في أن يشفعوا: فلذا ردت شفاعاتهم، ولم يرض سبحانه فيمن شفعوا فيهم لأنهم كفار مشركون؛ فلذا لم تنفع شفاعة هؤلاء الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
والله لا يرضى إلا التوحيد كما قال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] ؛ ولذا فسر السلف الرضا في الآيات التي وردت بها بالإخلاص والتوحيد، وترك الشرك كله.
فأخرج ابن جرير في " تفسيره " (16/97) ، وابن المنذر، وابن أبي حاتم في " تفسيره "، والبيهقي في " الأسماء والصفات " ص 109 كلهم من طريق معاوية ابن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى في مريم: {لَا