عليها أحكاماً ولم تتتبَّع آيات الشفاعة في القرآن، فضربوا كتاب الله بعضه ببعض، والقرآن حق كله، والحق لا يناقض حقاً أبداً.
فالآيات الأولى دلت على أن هناك شفاعةً منفية ليست لأحدٍ من الخلق، وهذه الشفاعة هي ذاك النوع الذي يظنه المشركون في الجاهليات، وأولئك المشركون ظنوا أن الشفاعة عند الله، كالشفاعة عند غيره، وهذا أصل ضلال النصارى أيضاً.
فمن ظن أن الشفاعة المعهودة من الخلق للخلق تنفع عند الله، مثل: أن يشفع الإنسان عند من يرجوه المشفوع إليه أو يخافه، كما يشفع عند الملك ابنه، أو أخوه، أو أعوانه، أو نظراؤه الذين يخافهم ويرجوهم، فيجيب سؤالهم؛ لأجل رجائه أو خوفه منهم، أو أن لهم حقاً عنده يوجب عليه الإجابة فيمن يشفعون فيه عنده، وإن كان يكره شفاعتهم، ويشفعون بغير إذنه.
فهذه الشفاعة هي التي نفاها الله -جل وعلا- في الآيات الأولى، وهي أن يكون للشافع حق عند الله كما للشفعاء حق عند الملوك ونحوهم.
وهذا النوع هو الشركي الذي أشرك به من أشرك بالله، واتخذ وسائط يسألهم الشفاعة، كما كان يفعله النصارى، وأشباههم في ذلك من هذه الأمة، ويعتقدون أن لهم أن يسألوا المقبورين من الأنبياء والصالحين شفاعتهم، وهم يعتقدون أن لهم حقاً عند الله به يجيب شفاعتهم ولا يرد شفاعتهم.
وهذا غلط:
فإن دعاء الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- قد يرد، وليس كل ما دعوا به أجيب، بل ربما امتنعت إجابتهم لحكمة يعلمها الله -عز وجل-،