ولا بأس أن نشفع كلام الرازي بكلام أحد المتأخرين، هو سيد قطب في كتابه " في ظلال القرآن " قال: (5/3037) : "فلقد كانوا يعلنون أن الله خالقهم وخالق السماوات والأرض. . . ولكنهم لم يكونوا يسيرون مع منطق الفطرة في إفراد الخالق إذن بالعبادة، وفي إخلاص الدين لله بلا شريك.
إنما كانوا يبتدعون أسطورة بنوة الملائكة لله سبحانه، ثم يصوغون للملائكة تماثيل يعبدونها فيها، ثم يزعمون أن عبادتهم لتماثيل الملائكة -وهي التي دعوها آلهة أمثال اللات والعزى ومناة1 - ليست عبادة لها في ذاتها، إنما هي زلفى، وقربى لله؛ كي تشفع لهم عنده وتقربهم منه!
وهو انحراف عن بساطة الفكرة واستقامتها، إلى هذا التعقيد والتخويف، فلا الملائكة بنات الله، ولا الأصنام تماثيل الملائكة، ولا الله -سبحانه- يرضى بهذا الانحراف، ولا هو يقبل فيهم شفاعة، ولا هو يقربهم إليه عن هذا الطريق، وإن البشرية لتنحرف عن منطق الفطرة، كلما انحرفت عن التوحيد الخالص البسيط الذي جاء به الإسلام، وجاءت به العقيدة الإلهية الواحدة مع كل رسول.
وإنا لنرى اليوم في كل مكان "عبادة" للقديسين والأولياء تشبه عبادة العرب الأولين للملائكة، أو تماثيل الملائكة، تقرباً إلى الله بزعمهم، وطلباً لشفاعتهم عنده. وهو سبحانه يحدد الطريق إليه، طريق التوحيد الخالص الذي لا يلتبس بوساطة أو شفاعة، على هذا النحو الأسطوري العجيب ".