...
قال ص 45:
"الوسيلة: كل ما جعله الله سبباً في الزلفى عنده، ووصلة إلى قضاء الحوائج منه. والمدار فيها على أن يكون للوسيلة قدرٌ وحرمة عند المتوسل إليه" اهـ.
أقول: كلامه حوى جملتين: الأولى من الحق، والثانية فيها إجمال به يتوصل إلى ما نهى الله عنه، ولم يجعله وسيلة.
فقول: "والمدار فيها.. الخ" مجمل يمكن تفسيره على أحد وجهين:
الأول: أن يدخل في ذلك ذوات الأنبياء والصالحين باعتبار أن لهم من المنزلة والزلفى عند الله ما يجل عن الوصف، فإن كان هذا معنياً، فالله سبحانه وتعالى لم يجعل ذوات الأنبياء والصالحين أو جاههم أو حرمتهم وسيلة إليه، ولا سبباً للزلفى لديه.
وإنما جعل الوسيلة إليه هو اتباعهم وتصديق ما أخبروا به، واتباع النور الذي جاءوا به، والجهاد من أجل تقريره وتثبيته بين الخلق، فهذا من الوسائل المشروعة التي يشرع للداعي بمسألة أن يقدمها بين يدي مسألته، ولا يصح للداعي -دعاء عبادة- دعاؤه إلا باتباعهم وتصديقهم. فهذا من الوسائل المشروعة التي أمر الله بها، وشرعها.
وأما الأنبياء والصالحون فليس من المشروع التوسل بذواتهم ولا جاههم ولا حرمتهم كما سيأتي بيانه، وإنما يشرع التوسل بدعائهم في حياتهم، كما كان يفعله المسلمون زمنه صلى الله عليه وسلم وبعده من طلب الدعاء في الاستسقاء وغيره.
وأما بعد مماتهم فليس التوسل بدعائهم ولا ذواتهم مشروعاً بإجماع القرون المفضلة.