وهكذا تتلقى الأمة المسلمة تراث الرسالة كله وتقوم على دين اللّه في الأرض، وهي الوارثة له كله ويشعر المسلمون - من ثم - بضخامة دورهم في هذه الأرض إلى يوم القيامة. فهم الحراس على أعز رصيد عرفته البشرية في تاريخها الطويل. وهم المختارون لحمل راية اللّه - وراية اللّه وحدها - في الأرض، يواجهون بها رايات الجاهلية المختلفة الشارات، من قومية ووطنية وجنسية وعنصرية وصهيونية وصليبية واستعمارية وإلحادية .. إلى آخر شارات الجاهلية التي يرفعها الجاهليون في الأرض، على اختلاف الأسماء والمصطلحات واختلاف الزمان والمكان.
إن رصيد الإيمان الذي تقوم الأمة المسلمة حارسة عليه في الأرض، ووراثة له منذ أقدم الرسالات، هو أكرم رصيد وأقومه في حياة البشرية. إنه رصيد من الهدى والنور، ومن الثقة والطمأنينة، ومن الرضى والسعادة، ومن المعرفة واليقين .. وما يخلو قلب بشري من هذا الرصيد حتى يجتاحه القلق والظلام، وتعمره الوساوس والشكوك، ويستبد به الأسى والشقاء. ثم يروح بتخبط في ظلماء طاخية، لا يعرف أين يضع قدميه في التيه الكئيب! وصرخات القلوب التي حرمت هذا الزاد، وحرمت هذا الأنس، وحرمت هذا النور، صرخات موجعة في جميع العصور .. هذا إذا كان في هذه القلوب حساسية وحيوية ورغبة في المعرفة ولهفة على اليقين. فأما القلوب البليدة الميتة الجاسية الغليظة، فقد لا تحس هذه اللهفة ولا يؤرقها الشوق إلى المعرفة .. ومن ثم تمضي في الأرض كالبهيمة تأكل وتستمتع كما تأكل الأنعام وتستمتع. وقد تنطح وترفس كالبهيمة، أو تفترس وتنهش كالوحش وتزاول الطغيان والجبروت والبغي والبطش، وتنشر الفساد في الأرض .. ثم تمضي ملعونة من اللّه ملعونة من الناس!
والمجتمعات المحرومة من تلك النعمة مجتمعات بائسة - ولو غرقت في الرغد المادي - خاوية - ولو تراكم فيها الإنتاج - قلقة - ولو توافرت لها الحريات والأمن والسلام الخارجي - وأمامنا في أمم الأرض شواهد على هذه الظاهرة لا ينكرها إلا مراوغ يتنكر للحس والعيان! والمؤمنون باللّه وملائكته وكتبه ورسله، يتوجهون إلى ربهم بالطاعة