والإيمان بالملائكة: إيمان بحقيقة غيبية، لا سبيل للإدراك البشري أن يعرفها بذاته، بوسائله الحسية والعقلية المهيأة له .. بينما كيانه مفطور على الشوق إلى معرفة شيء من تلك الحقائق الغيبية. ومن ثم شاءت رحمة اللّه بالإنسان - وهو فاطره وهو العليم بتكوينه وأشواقه وما يصلح له ويصلحه - أن يمده بطرف من الحقائق الغيبية هذه، ويعينه على تمثلها - ولو كانت أدواته الذاتية قاصرة عن الوصول إليها - وبذلك يريحه من العناء ومن تبديد الطاقة في محاولة الوصول إلى تلك الحقائق التي لا يصلح كيانه وفطرته بدون معرفتها، ولا يطمئن باله ولا يقر قراره قبل الحصول عليها! بدليل أن الذين أرادوا أن يتمردوا على فطرتهم، فينفوا حقائق الغيب من حياتهم، استبدت ببعضهم خرافات وأوهام مضحكة أو اضطربت عقولهم وأعصابهم وامتلأت بالعقد والانحرافات! وفضلا على ذلك كله فإن الإيمان بحقيقة الملائكة - شأنه شأن الإيمان بالحقائق الغيبية المستيقنة التي جاءت من عند اللّه - يوسع آفاق الشعور الإنساني بالوجود، فلا تنكمش صورة الكون في تصور المؤمن حتى تقتصر على ما تدركه حواسه - وهو ضئيل - كما أنه يؤنس قلبه بهذه الأرواح المؤمنة من حوله تشاركه إيمانه بربه، وتستغفر له، وتكون في عونه على الخير - بإذن اللّه - وهو شعور لطيف ندي مؤنس ولا شك .. ثم هنالك المعرفة: المعرفة بهذه الحقيقة وهي في ذاتها فضل يمنحه اللّه للمؤمنين به وبملائكته ..
«وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ» .. «لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ».والإيمان بكتب اللّه ورسله بدون تفرقة بين أحد من رسله هو المقتضى الطبيعي الذي ينبثق من الإيمان باللّه في الصورة التي يرسمها الإسلام. فالإيمان باللّه يقتضي الاعتقاد بصحة كل ما جاء من عند اللّه، وصدق كل الرسل الذين يبعثهم اللّه، ووحدة الأصل الذي تقوم عليه رسالتهم، وتتضمنه الكتب التي نزلت عليهم .. ومن ثم لا تقوم التفرقة بين الرسل في ضمير المسلم. فكلهم جاء من عند اللّه بالإسلام في صورة من صوره المناسبة لحال القوم الذين أرسل إليهم حتى انتهى الأمر إلى خاتم النبيين - محمد - صلى الله عليه وسلم - فجاء بالصورة الأخيرة للدين الواحد، لدعوة البشرية كلها إلى يوم القيامة.