بالقدمين؟ ولم هذا التشامخ بالأنف والتطاول بالعنق؟ إن ذلك عناء لا جدوى منه، ولا طائل تحته! قوله تعالى: «كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً».لفظ الإشارة «ذلك» مشار به إلى كل ما تقدم من منهيّات وأوامر .. وأن هذا الذي وقع النهى عليه هو السيّء، المكروه عند اللّه، يجب اجتنابه وحراسة الإنسان نفسه من أن يلمّ به ..
قوله تعالى: «ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً» .. الإشارة «ذلك» إلى ما تحدثت به الآيات السابقة من منهيات ومأمورات، وهى من الحكمة التي أوحى اللّه سبحانه وتعالى بها إلى النبىّ .. وفى الخروج عليها مهلكة وضياع.
وفى قوله تعالى: «وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً» إظهار مزيد من العناية بهذا الذي أوحى به اللّه سبحانه وتعالى من الحكمة، وهو النهى عن الشرك باللّه، إذ كان الشرك باللّه ـ عصمنا اللّه منه ـ هو كبيرة الكبائر، لا يصلح لإنسان مع الشرك عمل أبدا .. وليس للمشرك مصير إلا النار. وفى توجيه الخطاب إلى النبي الكريم، تشنيع على الشرك، وتهويل لخطره، وأنه مطلوب من النبىّ ـ وهو من هو عند اللّه ـ أن يحرس نفسه منه .. ويتوقّى المواطن التي يجىء منها. فإذا كان هذا شأن النبىّ، وهو المصطفى من بين عباد اللّه، والمحفوف بألطاف اللّه ورحمته .. فكيف شأن الناس، وهم فى مواجهة هذا الداء الخطير؟ إنّهم فى حاجة إلى مراقبة شديدة، وإلى حراسة دائمة، من أن يندسّ إليهم هذا الداء، فى سرّ أو علن .. فما أكثر المسارب الخفيّة التي ينفذ بها الشرك إلى الناس .. (?)
وفي الظلال:" «لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا». إنه النهي عن الشرك والتحذير من عاقبته، والأمر عام، ولكنه وجه إلى المفرد ليحس كل أحد أنه أمر خاص به، صادر إلى شخصه. فالاعتقاد مسألة شخصية مسؤولعنها كل فرد بذاته، والعاقبة التي تنتظر كل فرد يحيد عن التوحيد أن «يقعد» «مذموما» بالفعلة الذميمة التي أقدم عليها، «مَخْذُولًا» لا ناصر له، ومن لا ينصره اللّه فهو مخذول وإن كثر ناصروه. ولفظ