فالآية الكريمة تنهى عن أن يكون الإنسان إمّعة، يتبع كل ناعق، ويجرى وراء كل داع، دون أن يكون له رأى فيما يعمل ويقول .. وهذا معناه تعطيل لمدركاته، وعدوان على إنسانيته بحرمانها من حقّها فى التزوّد بزاد العلم والمعرفة ..
وفى قوله تعالى: «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا» ـ إشارة إلى ما للسمع، والبصر، والفؤاد من قوة قادرة على اصطياد المعرفة، وتحصيل العلم .. إنها أجهزة قادرة على أن تمكّن للإنسان من أن يتهدّى إلى مواقع الخير، وأن يصل إلى مواطن اليقين من كل أمر يعرض له، إذا هو أحسن استعمال هذه الأجهزة، وأصغى لندائها .. إنها أجهزة عاقلة رشيدة، فى كيان الإنسان العاقل الرشيد، ولهذا جاءت الإشارة إليها بلفظ العقلاء: «أولئك».0والفؤاد: هو القلب، وما يتصل به من قوى الإدراك والشعور.
وفى قوله تعالى: «كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا» ـ إشارة إلى أن الإنسان سيسأل عن تلك الجوارح وهذه القوى التي أمدّه اللّه بها، ليتعرف بها إلى الحق والخير، فإن هو عطلها أو وجهها إلى وجوه الشر والفساد، كان مسئولا عنها، محاسبا على تفريطه أو إفراطه فيها
قوله تعالى: «وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا» .. هو دعوة إلى الإنسان فى ذات نفسه إلى أن يعرف قدره، ولا يجاوز حدوده .. فإذا كان فى الناس من يزرى بقدر نفسه، فلا يرى لها حقّا فى أن تأخذ مكانها فى الحياة، وموقفها مع الناس، ويرضى لنفسه أن يقاد فينقاد، دون أن يفكر أو يقدر .. فإن فى الناس من يذهب به الغرور بنفسه إلى حدّ يجعله يقيم لنفسه مقاما من مدّعيات وأباطيل، يطاول به السماء، ويتعالى به على العالمين .. وكلا الرجلين مذموم، مجانب لطريق الحق والهدى. والمحمود من الإنسان هو أن يأخذ طريقا وسطا .. فيستعمل قواه وملكاته بحكمة، واعتدال، ثم إذا بدا له أنه ممن آتاهم اللّه بصيرة نافذة، وعقلا راجحا، فلا يكن ذلك داعية له إلى التعالي على الناس، وإلى النظر إليهم معجبا بنفسه، مزهوّا بعلمه .. فإنه مهما بلغ من قوة وعلم، فإنه إنسان، وفى حدود البشرية ينبغى أن يعيش .. وإنه مهما بلغ من قوة، فلن يخرق الأرض بقدميه الواهيتين، إذ يضرب بهما وهو يسير فى الأرض مرحا .. وإنه مهما شمخ بأنفه، ونفخ فى أوداجه فلن يطاول الجبال .. فلم إذن هذا الضّرب على الأرض