ولكن الله - سبحانه - وهو العليم الحكيم، لم يوجِّه رسوله - صلى الله عليه وسلم - هذا التوجيه! إنما وجهه إلى أن يصدع بـ " لا اله إلا الله "،وأن يحتمل هو والقلة التي تستجيب له كل هذا العناء!
لماذا؟ إن الله - سبحانه - لا يريد أن يُعَنِّت رسوله والمؤمنين معه0إنما هو -سبحانه - يعلم أن ليس هذا هو الطريق، ليس الطريق أن تخلص الأرض من يد طاغوت روماني أو طاغوت فارسي، إلى يد طاغوت عربي0فالطاغوت كله طاغوت! إن الأرض لله، ويجب أن تخلص لله0ولا تخلص لله إلا أن ترتفع عليها راية:" لا إله إلا الله "0وليس الطريق أن يتحرر الناس في هذه الأرض من طاغوت روماني أو فارسي، إلى طاغوت عربي0فالطاغوت كله طاغوت! أن الناس عبيد لله وحده، ولا يكونون عبيداً لله وحده إلا أن ترتفع راية:" لا إله إلا الله " - لا إله إلا الله كما يدركها العربي العارف بمدلولات لغته،: لا حاكمية إلا الله، ولا شريعة إلا من الله، ولا سلطان لأحد على أحد، لأن السلطان كله لله، ولأن " الجنسية " التي يريدها الإسلام للناس هي جنسية العقيدة، التي يتساوى فيها العربي والروماني والفارسي وسائر الأجناس والألوان تحت راية الله0وهذا هو الطريق ..
وبُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الدين، والمجتمع العربي كأسوأ ما يكون المجتمع توزيعاً للثروة والعدالة0قلة قليلة تملك المال والتجارة، وتتعامل بالرِّبا فتتضاعف تجارتها ومالها0وكثرة كثيرة لا تملك إلا الشظف والجوع0والذين يملكون الثروة يملكون معها الشرف والمكانة، وجماهير كثيرة ضائعة من المال والمجد جميعاً!
وربما قيل: أنه كان في استطاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يرفعها راية اجتماعية، وأن يثيرها حرباً على طبقة الأشراف، وأن يطلقها دعوة تستهدف تعديل الأوضاع، ورد أموال الأغنياء على الفقراء!
وربما قيل: أنه لو دعا يومها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الدعوة، لانقسم المجتمع العربي صفَّين: الكثرة الغالبة مع الدعوة الجديدة في وجه طغيان المال والشرف والجاه، والقلة القليلة مع هذه الموروثات، بدلا من أن يقف المجتمع كله صفّاً في وجه " لا اله إلا الله " التي لم يرتفع إلى أفقها في ذلك الحين إلا الأفذاذ من الناس!