لا اله إلا الله " - ماذا تعني هذه الدعوة بالنسبة لأوضاعهم ورياساتهم وسلطانهم، ومن ثم استقبلوا هذه الدعوة - أو هذه الثورة - ذلك الاستقبال العنيف، وحاربوها هذه الحرب التي يعرفها الخاص والعام .. فَلِمَ كانت هذه نقطة البدء في هذه الدعوة؟ وَلِمَ اقتضت حكمة الله أن تبدأ بكل هذا العناء؟
لقد بُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الدين، وأخصب بلاد العرب وأغناها ليست في أيدي العرب، إنما هي في أيدي غيرهم من الأجناس!
بلاد الشام كلها في الشمال خاضعة للروم، يحكمها أمراء عرب من قِبَل الروم، وبلاد اليمن كلها في الجنوب خاضعة للفرس، يحكمها أمراء عرب من قبل الفرس، وليست في أيدي العرب إلا الحجاز وتهامة ونجد، وما إليها من الصحاري القاحلة التي تتناثر فيها الواحات الخصبة هنا وهناك!
وربما قيل: أنه كان في استطاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق الأمين الذي حكَّمه أشراف قريش قبل ذلك في وضع الحجر الأسود، وارتضوا حكمه، منذ خمسة عشر عاماً قبل الرسالة، والذي هو في الذؤابة من بني هاشم أعلى قريش نسباً .. إنه كان في استطاعته أن يثيرها قومية عربية تستهدف تجميع قبائل العرب التي أكلتها الثارات ومزقتها النزاعات، وتوجيهها وجهة قومية لاستخلاص أرضها المغتصبة من الامبراطوريات المستعمرة .. الرومان في الشمال والفرس في الجنوب .. وإعلاء راية العربية والعروبة، وإنشاء وحدة قومية في كل أرجاء الجزيرة.
وربما قيل: أنه لو دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الدعوة لاستجابت له العرب قاطبة، بدلاً من أن يعاني ثلاثة عشر عاماً في اتجاه معارض لأهواء أصحاب السلطان في الجزيرة!
وربما قيل: أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان خليقاً - بعد أن يستجيب له العرب هذه الاستجابة، وبعد أن يولّوه فيهم القيادة والسيادة، وبعد استجماع السلطان في يديه، والمجد فوق مفرقيه - أن يستخدم هذا كله في إقرار عقيدة التوحيد التي بعث بها، في تعبيد الناس لسلطان ربهم بعد أن عبَّدهم لسلطانه البشرى!