وربما قيل: أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان خليقاً بعد أن تستجيب له الكثرة، وتوليه قيادها، فيغلب بها القلة ويسلس له مقادها، أن يستخدم مكانه يومئذ وسلطانه في إقرار عقيدة التوحيد التي بعثه بها ربه، وفي تعبيد الناس لسلطان ربهم بعد أن عبَّدهم لسلطانه البشرى!
ولكن الله - سبحانه - وهو العليم الحكيم، لم يوجهه هذا التوجيه
لقد كان الله - سبحانه - يعلم أن هذا ليس هو الطريق .. كان يعلم أن العدالة الاجتماعية لا بد أن تنبثق في المجتمع من تصور اعتقادي شامل، يرد الأمر كله لله، ويقبل عن رضى وعن طواعية ما يقضي به الله من عدالة التوزيع، ومن تكافل الجميع، ويستقر معه في قلب الآخذ والمأخوذ منه سواء أنه ينفذ نظاماً شرعه الله، ويرجو على الطاعة فيه الخير والحسنى في الدنيا والآخرة سواء0فلا تمتلئ قلوب بالطمع، ولا تمتلئ قلوب بالحقد، ولا تسير الأمور كلها بالسيف والعصا، وبالتخويف والإرهاب! ولا تفسد القلوب كلها وتختنق الأرواح، كما يقع في الأوضاع التي تقوم على غير " لا اله إلا الله "
وبُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمستوى الأخلاقي في الجزيرة العربية في الدرك الأسفل في جوانب منه شتى - إلى جانب ما كان في المجتمع من فضائل الخامة البدوية.
كان التظالم فاشياً في المجتمع، تعبر عنه حكمة الشاعر " زهير بن أبي سلمى ":
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدَّم، ومن لا يظلم الناس يُظلمِ
ويعبر عنه القول المتعارف في الجاهلية:" انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ".
وكانت الخمر والميسر من تقاليد المجتمع الفاشية، ومن مفاخره كذلك! يعبر عن هذه الخصلة الشعر الجاهلي بجملته .. كالذي يقوله طرفة بن العبد:
فلولا ثلاث هن من عيشة الفتى وجدَّك لم أحفل متى قام عوَّدي
فمنهن سبقى العاذلات بشربة كُمُيت متى ما تُعلَ بالماء تزبد
وما زال تشرابي الخمور ولذتي وبذلي وإنفاقي طريقي وتالدي
إلى أن تحامتنى العشيرة كلها وأفردت إفراد البعير المعبًّد
وكانت الدعارة - في صور شتى - من معالم هذا المجتمع - شأنه شأن كل مجتمع جاهلي قديم أو حديث - فعَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ -