بالنفير العامّ في الأمرا والأجناد، فخرج الناس أفواجا أفواجا. وتجهّز السلطان في الحال، وتوجّه العساكر ظنّا منهم بأنّ الإسكندرية تمنع إلى حين وصولهم. وقدم عسكر ليدركوا أهل الثغر، عليهم قطلوبغا المنصوري، وخليل بن قوصون، وكوكنداي، فما وصلوا إلاّ وإسكندرية قد أخربت.

وكان من خبر أخذها باختصار أنه وصل إليها عدّة مراكب نحوا من سبعين أو زيادة عليها، فيها غير ما طائفة من الفرنج، ومعهم رئيسا (?) عليهم صاحب قبرس واسمه ربير بطرس.

ويقال: إنّ من كان في هذه المراكب يزيد عدّتهم على الثلاثين ألفا. فاستعدّ أهل الإسكندرية / 76 أ / في القتال، وركبوا الأسوار. وخرجت طائفة إلى ظاهر البلد بعد أن غلّقوا أبوابها.

ثم خرج الناس من بكرة يوم الخميس ثاني عشرين هذا الشهر يريدون لقاء العدوّ وهم في مراكبهم، ولم يتحرّكوا بحركة طول يومهم، وفي ليلة الجمعة، فقدم بكرة يومها طوائف من عربان البحيرة وغيرها، ومضوا إلى جهة المنار ولا علم عندهم بكمين الفرنج، كمنوا في الليل بخيولهم في الترب. ولما تكاثر الناس برز لهم غريب إلى بحر السلسلة حتى قارب السور، فقاتله المسلمون قتالا شديدا مات فيه جماعة من الفرنج، واستشهد جماعة من المسلمين، وخرج الناس وصاروا فرقتين، فرقة مضت بهم العربان نحو المنار، وفرقة وقفت مقابل الفرنج بالغرائب (?). هذا، والباعة والصبيان قد خرجوا وصاروا في لهو ولا اكتراث بهم ما أخذوا، فضرب الفرنج نفيرهم، فخرج الكمين وحملوا على المسلمين حملة منكرة، ورمى الفرنج بالسهام من المراكب، فانهزم المسلمون وجرى ما لا خير فيه، واقتحموا البلد بعد أن ملكوا البرّ وقرّبوا مراكبهم إلى الأسوار، فاستشهد من الخلق ما لا يحصى عددا، وهلك جمعا وافرا (?) من الازدحام عند عبور باب السدرة، ونصبوا عليه الصلبوت، فانحسر الناس إلى باب رشيد وأحرقوه، ومرّوا منهم على وجوههم، وتركوا المدينة بما فيها للفرنج وقد جمعوا مال بيت المال وعدّة تجّار للفرنج كانوا بالثغر، ومضى هو وعامّة الناس إلى جهة دمنهور، فدخل ملك قبرس في ضحوة نهار الجمعة الإسكندرية في مقابلته وهو راكب، والفرنج عمّالة في المسلمين بالسيف تضعه في الناس، ونهبوا الدّور، وأسروا، واستمرّوا يأسرون ويقتلون من هذا اليوم إلى بكرة نهار الأحد، فرفعوا السيف، وخرجوا بالأسرى والغنائم إلى مراكبهم، وأقاموا إلى يوم الخميس ثامن عشرينه، فبلغهم مجيء السلطان بالعساكر، فأقلعوا ومعهم / 76 ب / خمسة آلاف أسير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015