البحر يوم السبت في 19 من شوال (?). ووصل إلى تونس يوم الأربعاء في 22 ذي القعدة، بعد أن بقي في البحر 33 يوما، فرحّب به الشيخ أبو إسحاق إبراهيم المدرّس بجامع الزيتونة، فكان يحضر مجلسه بين الظهر والعصر أحيانا، وبين العصر إلى قرب المغرب أحيانا أخرى، وسمع الكثير من فوائده وتحقيقاته، إذ كان - حسب وصفه له - آية ورأسا في الفتوى، لا سيما الأصلين (?). وفي يوم الأربعاء 28 من ذي الحجة وصل إلى ميناء تونس مركبان للفرنج فيهما عدّة أسرى، فركب المؤلّف قاربا بقصد الفرجة فصعد إلى المركب الأكبر فوجد واحدا من الأسرى من المسلمين الأتراك يعرف التركية ولغة الفرنج، إذ بقي في أسرهم نحو 25 عاما، ولا يعرف العربية، فكلّمه بالتركية، وعرف أن اسمه «مبارك»، فاجتمع بالخواجا التاجر أبي القاسم البنيولي أحمد ناظر الأندلس وعظيم التجار بتونس ونزيلها، وأخبره بأمر هذا الأسير، فتوسّط له مع الفرنج، فافتدى الأسير منهم بأربعين دينارا وأنزله إلى البر واستخدمه وبقي معه عدّة سنين (?).
وفي يوم الأربعاء 26 من شهر صفر سنة 867 هـ. ولدت للمؤلّف ابنة من أمته أمّ الشيخ شكرباي سمّاها «عائشة»، فلم تلبث أن ماتت في آخر النهار، فتأسّف عليها لاشتياقه إلى الأولاد، ودفنها في مكان يقال له «الزّلاج» وهو جبّانة عظيمة بتونس (?).
وفي اليوم التالي - الخميس 27 صفر - خرج من باب الزّلاج إلى ظاهر تونس مع صديق له بقصد التنزّه والترويح عن نفسه بعد أن ضاق صدره بوفاة مولودته، ووصف صديقه بأنه الشاعر الأديب، البارع، الفاضل، الكامل، الدّين، أبو عبد الله محمد بن محمد المعروف بابن الرزين الخزرجي، الأنصاري، الأندلسيّ الأصل، التونسيّ، ورافقهما ثلاثة من الأصحاب: محمد الحديدي، وأحمد الوردوني، وشعيب البجائي، فاجتازوا بمسيرهم على زرع أخضر، فطلب المؤلّف أن ينشد كل من حضر شيئا من الشعر على البديهة في هذا الزرع، شرط الإجادة في المعنى، فابتدر ابن الرزين وأنشد ارتجالا:
يا خليليّ قفا واعتبرا ... كيف ماس الزرع حسنا واسترد
و (. . . . . .) غدير أخضر ... صنعت فيه يد الريح زرد
وأحجم الباقون عن الإنشاد رغم إلحاح المؤلّف عليهم (?).
وفي يوم السبت 29 من صفر بعث إليه محمد المسعود بالله بن المتوكل على الله عثمان صاحب تونس وليّ عهد أبيه يستدعيه للحضور بين يديه، فلما مثل أمامه رحّب به ورفع محلّه وأخذ يتلطّف معه بالكلام، فأنشده هذه البيتين:
ألا يا آل حفص يا ملوكا ... ويا درّ حلى بهم نعمت سلوك