ألا فقتم ملوك الأرض طرّا ... فما من بعدكم أحد مليك
فأعجباه وأجازه عليهما، وكتب له ظهيرا بإعفائه عن المغارم واللوازم. وبعد ذلك كان يدخل مجلسه المرّة بعد الأخرى، واجتمع به مرة عند الشيخ العالم الفاضل الكسلي شيخ بلده فأخذ يسأله عن الشيخ يحيى العجيسي، ثم تمادى الكلام إلى مشايخه وما قاله بعضهم من المقصورة التي أولها:
أنتم بقلبي وأنا أشكو النوى ... إنّ حديثي لم يبن في الهوى (?)
وفي الثاني من شهر رمضان نزل جزيرة جربة بالمراكب مع التجار، فأقام بساحلها ثمانية أيام. وأوسقوا منها زيتا كثيرا وأنواعا من الأكسية، وأقلعت المراكب إلى طرابلس الغرب، فنزل فيها نهار الخميس 15 من رمضان، وهيّأ له كبير التجار عبد الحميد العوّادي مكانا سكنه، وفيها التقى بقاضيها وخطيبها ومفتيها القاضي منصور البنجريري القروي، وهو من قرية بنجرير بالقرب من القيروان، وكان من أهل العلم ولديه فضيلة علمية وأدب، وله نظم حسن أنشده منه الكثير، وسمع منه الكثير من فوائده (?). وكان أثناء إقامته بطرابلس الغرب يخرج مع رفاقه من التجار للتنزّه، وشاهد الزاوية التي بناها أبو عبد الله محمد ابن السلطان أبي فارس عبد العزيز صاحب تونس (?)، وتنزّه بالبستان ورأى القصر الذي فيه.
وأصبح يوم الثلاثاء الثاني من ذي القعدة موعوكا، فجاءه من الغد قاضي طرابلس البنجريري ومعه طبيب يدعى محمد فعاداه، ودعا له القاضي بالدعاء المأثور لعيادة المريض، فكتب له المؤلّف:
لي سيّد زار وما زرته ... فمنّي النقص ومنه التمام
إن يحمل سهوي ففقه مضى ... لا في المأموم وهو الإمام
طالما زار الغمام الثرى ... ولم يزر قطّ الثرى للغمام (?)
وكان قائد طرابلس الغرب «أبو النصر» يتولاّها من قبل صاحب تونس، وهو رجل ظالم، فلم يزره المؤلّف لذلك، فأراد القائد أن ينكيه فطلب منه ثوبا من الصوف السميك الأرجوان، فبعث إليه ثوبا طوله 40 ذراعا كان اشتراه من تونس بثمانية وعشرين دينارا، فأخذه ولم يدفع ثمنه، وبقي كذلك عدة أيام، فجاءه القاضي البنجريري وأغلظ له في القول، وأخذ الثوب منه وأعاده للمؤلّف، ممّا زاد من حنقه عليه (?).
وحدث للمؤلّف أمر مقلق وهو في طرابلس الغرب، ثم كانت له ذيول بعد ذلك،