كان غائبا الآن، وحمل للطبلخاناة لكل نفر خمسمائة على العادة، والعشرات لكل مائة دينار / 209 أ / على العادة. وكان جملة النفقة على هذه التجريدة بجندها نحوا من أربع مائة ألف دينار ذهبت بأسرها، بل والأنفس من غير طائل كما سنذكره.
ثم لما وصلت النفقة إلى قرقماس الجلب أمير مجلس ركب إلى القلعة وطلب من السلطان الإعفاء من سفره، وألحّ عليه في ذلك وهو لا يقبل منه ذلك، فأخذ يسأل أن يعفى من الإمرة وأن يكون طرخانا بأيّ مكان اختاره له السلطان، فلم يجاب (?) إلى ذلك بل وخاشنه السلطان في اللفظ وألزمه بالسفر، وأكّد عليه به.
ثم لما نزل قرقماس إلى داره أخذ الناس في القال والقيل، وفشا بينهم بأن ستكون فتنة حتى بلغ السلطان ذلك لاستفاضته فما اكترث به، وركب ونزل في عدّة من خواصّه إلى ناحية خليج الزعفران، وبقي به هناك متنزّها إلى آخر النهار، فكأنه يشير إلى أنّ من كان بيده شيء فليفعل (?).
وفي رجب وصل الأتابك أزبك من البحيرة وصعد إلى الخدمة، فشافهه السلطان بتعبيته إلى السفر وأنه الباش على العساكر، فأخذ يظهر الامتناع من ذلك ويعتذر بأشياء، فلا زال السلطان حتى أذعن على كره منه ونزل والقالة موجودة والإشاعة فاشية بثوران فتنة، ونقل الكثير من الأعيان أمتعتهم إلى الحواصل، ونقل الديار المجاورة لسور الميدان أثاثهم، وجزم الكثير من الناس بوقوع فتنة (?).
وفيه وصل قاصد حسن الطويل وقد ملك مرسله العراقين وأذربيجان، وصعد إلى القلعة لمكاتبه وبعض هدية للسلطان، وعلى يده عدّة مفاتيح لعدّة حصون وقلاع سمّاها، وأنه ملكها، وأكثر من التواضع في مكاتبته، وأنّ كلّما ملكه من البلاد / 209 ب / هو زيادة في ممالك السلطان، وأنه النائب عنه فيها، وأنه يلتمس بأن يبعث إليه الخلع بذلك، فأكرم قاصده، ثم بعد أيام طلبه السلطان وأضافه إضافة حافلة، وخلع عليه كاملية، وبعث إليه بألف وخمسمائة دينار وأشياء أخر وجهّز معه عدّة خلع هائلة لمرسله وهدية جيّدة، وأذن له بالسفر (?).