وغيرهم، وحملوا له التقادم، وما زادته هذه المحنة إلاّ رفعة وعظمة حتى تعجّب من ذلك، وسار معه من الخلق من لا يحصي عددهم إلاّ الله تعالى (?).
وفيه صرف محمد بن أحمد بن سلام عن ولاية دمياط وذلك بعد أن ورد على السلطان خبر قفل جرجس الماضي ذكره.
وكان جرجس هذا نصرانيا بدمياط، وكان قد خرج من دمياط جماعة من المطّوّعة لغزو الفرنج بنواحي سواحل الشام في ثلاثة مراكب، وفيها إنسان من أهل الخير والصلاح يقال له الشيخ عبد الرحمن، وكان حنفيّ المذهب، ويعرف بالعجمي، وله اشتغال ببلاده في الفقه والعربية وغير ذلك، ثم جنح إلى العبادة والخير، وتسلّك، وصار من أهل الله تعالى. وكان له عمّ بدمياط يقال له الشيخ عبد العزيز، فقدم عليه ولزمه بزاوية له، وكان له أتباع بالزاوية، وبنى بدمياط قاعة سلاح، وكان له شهرة وجلالة، فأقام عبد الرحمن هذا عنده حتى مات (?)، فخلفه في زاويته وخرج للغزو، فاتّفق أن مات شهيدا هو وجماعة من أهل دمياط، وقدم الخبر عليهم بذلك، فأسفوا على الشيخ وعلى أهاليهم، وأقاموا العزاء، وإذا بجرجس هذا قد صنع فرحا بداره، فبلغ أهل دمياط ذلك وأنه أظهر الشماتة بالمسلمين والمسرّة بما أصابهم.
وكان أهل دمياط قبل ذلك يتّهمونه [بمساعدة] (?) الفرنج وحضّهم على محاربتهم، وإشهار عورات المسلمين لهم، فثاروا به وأخرجوه وادّعوا عليه بقوادح ثبت عند القاضي أكثرها، وفيها ما يوجب قتله، فقام النائب ابن (?) سلام هذا وثبّط القاضي عن إمضاء الحكم فيه وخوّفه عاقبة الأمر حتى أمر بسجنه إلى أن يشاور السلطان عليه، ووعد جرجس ابن (?) سلام هذا بمال، فبينا العامّة تنتظر أن يخرج به القتل إذ بلغها ما فعله ابن (?) سلام، فثاروا به، فأظهر الإسلام، فلم يلتفتوا إليه وقتلوه وأحرقوه، ونهبوا كنائس النصارى. / 54 / وكاتب ابن (?) سلام السلطان بالواقعة، وأغرى السلطان بأهل دمياط، فاستشاط السلطان غضبا، وحنق من أهل دمياط، وبعث بأمير ومعه عدّة من الجند ليوقع بهم، فلا زالوا به حتى رجع، وعرف حقيقة الحال، فعزل ابن (?) سلام هذا (?).