والعلماء، والبرّ، وفعل الخير، ويذاكر بأشياء في فنون علميّة، مع معرفة بالموسيقا، وكان كثير التواضع، مع علوّ همّة، وحسن عقيدة، ومحبّة في العدل. وكان محسنا إلى أصحابه، كثير العفو والصفح عنهم، يميل إلى العدل، ولو سلم من وسايط السوء ما كان مثله في سلاطين مصر. وله آثار عظام، منها: المؤيّدية، وناهيك بها، ذكر الثقة أنه سمعه يقول: أصرفت عليها أربع ماية ألف دينار. وكان يحبّ الهزل والمجون. وأقام أميرا وأتابكا وسلطانا زيادة على العشرين سنة، وأوصى عند موته بثمانين ألف دينار، تصرف في مصالح المؤيّدية، وترك في الخزانة لما مات على ما قيل ألف ألف دينار وخمسماية ألف دينار من الذهب النقد العين، فلم تمض السنة وفيها الدينار الواحد.
وكان جركسيّ الجنس، هذا هو الصحيح من حاله، بل كان من ذرّيّة كرموك كبير هذه الطائفة، وما يقال إنه كان تركمانيا فليس بصحيح وإنما هو وهم من فصاحته وبراعته، وكان حسن الهمّة والشمائل.
وفيه كانت سلطنة المظفّر أبو (?) السعادات أحمد.
ولما مات المؤيّد كادت أن ترتجّ القاهرة بأهلها حتى أحضر الخليفة وقضاة القضاة وأهل الدولة، فلما تكامل أهل الحلّ والعقد أحضر أحمد ابن المؤيّد وهو ابن (?) عشرين شهرا وسبعة أيام، وبويع بالسلطنة ولقّب بالمظفّر، وكنّي بأبي السعادات، وأفيض عليه شعار صغير فصّل له، وأركب فرس النوبة من باب السفارة قبليّ، وساروا به وهو يبكي إلى القصر، وأجلس على سرير الملك، وقام الكل بين يديه / 523 / وقبّلوا الأرض له، ونودي للسلطنة بالقلعة وشوارع القاهرة والترحّم على والده المؤيّد شيخ. ثم أخذوا في جهاز المؤيّد ودفنه (?).
ومن غريب ما اتّفق في أمر جهاز المؤيّد هذا ما فيه عبرة وموعظة لمن تدبّر وأبصر، وهو أنه لما وضع على سريره للغسل ما وجد له إناء صغير يصبّ به عليه الماء، ولا منشفة ينشّف بها، فنشّف بمنديل بعض من حضر غسله، ولا وجد له مئزر يستر به عورته