نور وهدايه (صفحة 68)

الذي يقاتل دفاعاً عن قضية مقدسة عنده لا ينهزم. هل تتصورون أن الرجل الذي يحارب بالعصا دفاعاً عن عرض بنته أو زوجته ينهزم خوفاً على نفسه ويتركهما؟ لا والله؛ إنه يموت دونهما ولا يدعهما. وكذلك الذي يقاتل دفاعاً عن دينه، يستحيل أن ينهزم. وإذا فوجئ فانهزم أولاً فإنه لا يلبث أن يرجع إليه عقله فيعود، وإذا لم يستطع العودة وخسر الجولة فإنه يستعد لجولة أخرى.

ورأس الأمر ومِلاكه أن نثير في نفس الجندي القوة الكامنة فيها، وهذا ما يفعله الإيمان.

وصفت لكم في حديث مضى ما هي هذه القوة الكامنة، قلت لكم: إن الواحد منكم لا يستطيع أن يركض مسافة مئة متر، ولكن إذا كان في البرّية ولحقه وحش وما معه سلاح يركض ألف متر ولا يقف. هذه هي القوة الكامنة.

لما كانت موقعة ميسلون في الشام من سبع وأربعين سنة ودخل الفرنسيون دمشق ظافرين، شهدتُ مشهداً لا يزال منقوشاً في ذاكرتي. كنت ذاهباً إلى المدرسة، وكنا في أوائل المرحلة الإعدادية، فوجدت ثلاثة من الجنود الفرنسيين المسلحين يلحقون امرأة مسلمة محجبة، يتحرشون بها ويمدون أيديهم إليها، وهي تصرخ مذعورة وهم يتضاحكون، والناس خائفون منهم وقلوبهم تتقطع ألماً. وإذا بسَمّان (بقّال) كهل يصرخ صرخة هائلة تخرج من أعماق قلبه كأنها ليست من أصوات البشر: ولك شو بَكُمْ؟ ما عاد في دين؟ ما عاد في نخوة؟ عليهم!

ويثب إليهم بأربع خطوات فيصير بينهم، يهجم عليهم بيديه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015