أو رشّاشاتهم؟
ليست العصا في ذاتها أقوى من الرشاش، ولكن لما صار الرشاش في يد من يعلم أنه ظالم، والعصا في يد من يؤمن بأنه محق ومن يدافع عن عرضه أو دينه، صارت العصا في هذا المقام أقوى من الرشاش. ولذلك غلبت القطة الصغيرة الكلبَ الكبير؛ إنها تعلم أنها إن غُلبت ماتت وافترسها الكلب، فهي تدافع عن قضيتها الكبرى، إنها تخوض معركة حياة أو موت، أما الكلب فيحارب لمجرد الغلبة أو الظفر أو للتسلّي.
ولذلك غلَبَنا اليهودُ لمّا حاربنا لغير القضية الكبرى. كان الجندي منا يمشي إلى الحرب ولكنه لا يدري لماذا يحارب، ولا يعرف إلاّ أن حكام بلده أخذوه من بيته وألبسوه هذه البزّة وحمّلوه هذه البندقية وقالوا له: امشِ. لا يدري لماذا مشى، ولا يعترف لهؤلاء الحكام في أعماق نفسه بحق الطاعة، لأنه يعتقد أنهم يعادون دينه ويوالون عدوّه ويريدون له ولأمته غيرَ ما تريد الأمة لنفسها ويريد الله لها.
ولو أن الحاكمين كانوا مسلمين حقاً، ولو أنهم حاربوا لإعلاء كلمة الله حقاً، ولو أنهم أفهموا الجنود أنهم يمشون إلى الجهاد الذي أمر به الشرع وأنهم بين الحسنيين، إما أن يظفروا فينالوا شرف الظفر وإما أن يموتوا فيحظوا بثواب الشهادة ويكونوا أحياء عند الله ... لو قالوا لهم ذلك لَما انهزموا ولَما غُلبوا، ولَثَبتوا مثلما ثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أُحُد لمّا انهزم الناس، وفي حُنين، وفي غيرهما من المشاهد التي شهدها المسلمون الفاتحون.