رجل شجاع قوي بعصا، فإنه يرمي سلاحه ويهرب أو يقتل نفسه بسلاحه! لقد دعوت من أكثر من عشرين عاماً إلى التسلّح وكتبت مقالات في مجلة «الرسالة» بعنوان «إلى السلاح يا عرب» (?)، ولكن ناشدتكم الله: هل مَلَك العرب وهل مَلَك المسلمون من السلاح في عهودهم كلها ما ملكه العرب في حرب حزيران؟ فلماذا غُلبوا؟
إننا ما هُزمنا في حَزيران، بل هُزمت فينا المبادئ المخالفة للإسلام، هُزمت فينا الخلائق التي أخذناها من عدونا، هُزم فينا خلق الانقسام وخلق التردد والانحراف.
على أن الهزائم لا تقتل الأمم، فكل أمة تصيبها الهزائم، بولندا مُسِحت من خريطة أوربا عدة مرات وأُعيدت! وكل واحد في الدنيا وكل جيش يَغلِب ويُغلَب، ولكن العاقبة لمَن يثبت على حقه ويستأنف المعركة من جديد. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم انهزم جيشه مرتين، ولكنه سرعان ما ردّ الهزيمة وحولها إلى نصر.
فإذا كانت هذه النكبة قد حاقت بنا اليومَ في فلسطين واحتلّ اليهود القدس فإني أذكّركم بواقع تاريخي: لقد جاء علينا وقت رأينا فيه غزواً أعظم وأقوى وأكبر؛ جاءتنا أوربا بأسرها، حملات كان في بعضها مليون جندي، ومليون جندي في تلك الأيام تعدل عشرة ملايين في أيامنا. كان جيش إحدى هذه الحملات أوله في عكا وآخره عند أسوار القسطنطينية! وملكت هذه الجيوش الغازية المستعمِرة هذه البلادَ وحكمت القدس نحواً من مئة سنة،