إن أجدادنا لم ينتصروا ولم يفتحوا البلاد بكثرة عددهم أو عُدّتهم وسلاحهم، وأستطيع أن أقول إن المسلمين لم ينتصروا في معركة قط إلا كانوا أقلّ من عدوهم عدداً وأضعف منه عدّة. كانوا يقاتلون بسيوف ملفوفة بالخِرَق، فانتصروا بالإيمان الذي يحرك في الإنسان القوى المُدَّخَرة التي لا تُظهرها إلا الحاجة.
إنني الآن رجل كبير، لو أردت الجري لما استطعت أكثر من خمس دقائق، لكني لو لحقني عدو مُؤذٍ مسلح أو وحش كاسر لا أستطيع أن أقاومه لجريت نصف ساعة؛ هذه القوة المدخرة تظهر عند الهزّات، والإيمان هو الذي يُظهرها.
انظروا أولئك الذين يقاتلون في فيتنام، عندما آمنوا بما آمنوا به دفعهم إيمانهم لفعل الأعاجيب، فكيف بمَن يؤمن بأن الذي يُقتَل يُنقَل إلى حياة أسمى وأكمل، وأن ثوابه عند ربه أعظم من الدنيا كلها؟
وليس معنى هذا أن نهمل السلاح، بل السلاح لا بد منه، وقد أمرنا الله بإعداده فقال: {وَأعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة}. لكن هل هذا الإعداد لتحقيق النصر؟ لا؛ اقرؤوا آخر الآية: {تُرهِبونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُم}. أما النصر: {وَمَا النَّصْرُ إلاّ مِن عِنْدِ الله}. حتى الملائكة الذين أرسلهم الله يوم بدر، هل أرسلهم من أجل النصر؟ لا، {وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إلاّ بُشْرَى لَكُم، وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلوبُكم، وَمَا النَّصْرُ إلاّ مِنْ عِنْدِ الله}.
إنه لا بد من السلاح كما قدّمت، ولكنه لا يكفي. لو أعطينا رجلاً جباناً رعديداً مخلوع القلب أحسن السلاح وأحدثه، ثم جاءه