أُجبرتُ على تمثيل خطيئتي من جديد كما يمثّل المتهم جرمه أمام المحقق، فتحكي يدي ما كان من ذنب أنكرتُه بلساني، وتنطق رجلي ويشهد عليّ جلدي!
* * *
إن التلاميذ اليوم يخشون هذا الامتحان، مع أن الراسب فيه يعيد الدورة أو يُرَدّ إلى صفه فيخسر سنة من عمره. فما بال ذلك الامتحان، الامتحان الأكبر يوم القيامة، وليس فيه دورة ثانية ولا يُرَدّ مَن يرسب فيه إلى الدنيا ليعيد التجربة، وليس فيه خسارة سنة ولا سنوات ولكن فيه ربح الأبد أو خسارة الأبد، فيه النعيم الخالد أو الشقاء الخالد، فيه الجنة أو جهنم؟
إن نار الدنيا إذا قيست بنار جهنم كانت نعمة، ونحن مع ذلك لا نستطيع أن نتحمل عذابها. من يقدر أن يجلس ربع ساعة على الموقدة المشتعلة المحمرّة؟ فكيف نلقي بأنفسنا في نار جهنم؟!
إن أكثركم إذ يسمع ذكر الآخرة يُعرِض عنه أو يسخر بقائله، لأن أفكاركم مشغولة بحوادث يومكم وعمل ساعتكم. إن منكم من يسمع هذا الحديث وهو على موعد قد استعدّ للذهاب إليه أو شغل يهمّ بقضائه، ومن يضع الرادّ إلى جنب السرير يستجلب بسماعه النوم إلى أجفانه، هذا كل ما يريده منه، أما أمر الآخرة فلا يباليه ولا يفكر فيه، كأننا خالدون في الدنيا وكأن الموت ما نزل بأحد حتى ينزل بنا.
كنت مرة في زيارة صديق لي، وكان مريضاً مرضاً عارضاً