وضحك بعض الحاضرين من هذا المشهد، ولكني لم أضحك. رأوه بعين اللاهي ورأيته بنظر الجادّ، لأني كنت في لحظة من هذه اللحظات المفاجئة التي يتفطّر فيها القلب وتتفتح النفس. ولست أدّعي الصلاح، وما وجدت في عمري كله إلا قليلاً من هذه اللحظات كانت هذه واحدة منها.
تصورتُ هذا التلميذ المسكين وقد ألقى نظرة ظنّ أنه لا يراها أحدٌ وإنما تمرّ وتُنسَى، فجاءت الآلة فسجّلتها وأعلنتها وعرضتها على الناس، فافتُضح بها ولم يعد يستطيع إنكارها. وقلت في نفسي: إذا كان هذا كله من عمل آلة بشرية سجّلت هذه الخطيئة وأبقتها دائماً، فكيف الحال والمَلَكان يسجّلان عليّ كل صغيرة وكبيرة أعملها؟ أحسب أني قد نجوت ولم يرَني أحدٌ كما حسب هذا التلميذ المسكين أن نظرته مرّت لم يَرَها المراقب، لا أدري أن كل صغيرة وكبيرة عملتها قد سُجِّلت في الشريط الخالد، شريط المَلَكين!
كل كلمةٍ بشرٍّ زلَّ بها لساني، وكل نظرة إلى عورة نظرَتها عيني، وكل خطوة إلى حرام خطَتها رجلي، وكل حركة بظلم تحركتها يدي، كله قد سُجِّل وحُفظ في هذا الشريط، وكل لقمة حرام أكلتها وكل قرش حرام أخذته. وسيعرض هذا الشريط لا في فِلم يراه ألوفٌ من الناس ثم ينسونه، بل هو سيعرض على الخلائق كلهم، من كان منهم في أيامنا ومن كان قبلُ أو يكون بعدُ، من عهد آدم إلى آخر الزمان يجمعهم الله جميعاً، وهنالك الفضيحة الكبرى لا فضيحة التلميذ سرق بنظره كلمة من ورقة جاره. الفضيحة على رؤوس الأشهاد جميعاً، وإذا أنا أنكرت (وأنّى لي الإنكار؟)