فهو قاعد في فراشه، وكان عنده ولده وهو يسأله شيئاً من المال فلا يعطيه مع أن عنده من الأموال ما لا تأكله النيران، وتطاول الولد عليه وهو يردّه ويأبى عليه القليل، وكان يتكلم فشَرِقَ بريقه فوقف في وسط الجملة، وانتظرنا أن يكملها فما أكملها، وطالت السكتة فمسَسْناه فإذا هو قد مات!
ونظرتُ مفكراً وسألت نفسي: ما الموت وما الحياة؟ إن الرجل لا يزال أمامنا كما كان، ما تبدل منه شيء ولا نقص منه شيء، ولكنه مات. كان المال له يمنعه الولد، فغدا في نصف ثانية من الزمان غريباً عنه لا يملك منه شيئاً وصار المال كله للولد، ما أخذ منه شيئاً ولا حمل معه منه قليلاً ولا كثيراً، فلماذا كان يحرص عليه ويبخل به؟
إنه ما أخذ معه إلا عمله، فلماذا نتمسك بما لا ينفع ونترك النافع؟
إذا كنتَ على سفر بالطيارة وكنت لا تستطيع أن تحمل معك إلا حقيبة واحدة، وكان عندك جواهر غالية أو أموال وعندك قناطير مقنطرة من الحطب، وكنت لا تدري متى تدعى للسفر، فهل تلبس وتُعِدّ حقيبتك وتلمؤها بالمال والجواهر، أم أنك تقعد من غير استعداد، لا تلبس ثيابك ولا تعد حقيبتك وإنما تحرس الحطب حتى لا تذهب منه حطبة؟
إن كل ما في الدنيا من متاع ولذة ومال كَوْمة حطب لا تقدر أن تحمل معك منه شيئاً، وعملك الصالح هو الجواهر التي تحملها أو تنتفع في سفرك إلى الآخرة بها.