كلها غير مرضية لأن الكلام على اطراده متمكن استثناء بعد استثناء. اهـ
وقال أبو حيان: إنما عرض الإشكال في الآية حتى اضطرب الناس في تخريجها من كونه رسم (مُحِلِّي) بالياء، فظنوا أنه اسم فاعل من أحل، وأنه مضاف إلى الصيد إضافة اسم الفاعل المتعدي إلى المفعول، وأنه جمع حذف منه النون للإضافة وأصله: غير محلين الصيد، والذي يزول به الإشكال ويتضح المعنى أن يجعل قوله (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) من باب قولهم: حسان النساء، والمعنى النساء الحسان، وكذا هذا أصله: غير الصيد المحل، والمحل صفة للصيد لا للناس، ووصف الصيد بأنه محل إما على معنى: دخل في الحل، كما تقول أحل الرجل أي دخل في الحل، وأحرم الرجل: دخل في الحرم، أو على معنى صار ذا حل أي: حلالاً بتحليل الله، ومجيء (أفعل) على الوجهين المذكورين كثير في لسان العرب، فمن الأول: أعرق وأشأم وأيمن وأنجد وأتمم إذا حلوا هذه المواضع، ومن الثاني: أعشبت الأرض وأبقلت أي صارت ذا عشب وبقل، وكذا أغد البعير وألبنت الشاة وأحرم النخل وأحصد الزرع وأنجبت المرأة، وإذا تقرر أن الصيد يوصف بكونه محلاً باعتبار أحد الوجهين المذكورين من كونه بلغ الحل أو صار ذا حل اتضح كونه استثناء ثانياً، ولا يمكن كونه استثناء (من استثناء) لتناقض الحكم لأن المستثنى من المحرم حلال، ثم إن كان المراد ببهيمة الأنعام أنفسها فهو استثناء منقطع، أو الظباء ونحوها فمتصل على أحد تفسيري المحل، (استثنى الصيد) الذي بلغ الحل في حال كونهم محرمين.
فإن قلت: ما فائدة هذا الاستثناء بقيد بلوغ الحل، والصيد الذي في الحرم لا يحل أيضاً؟ قلت: الصيد الذي في الحرم لا يحل للمحرم ولا لغير المحرم، والقصد بيان تحريم ما يختص تحريمه بالمحرم.
فإن قلت: ما ذكرته من هذا التخريج الغريب يعكر عليه رسمه في المصحف بالياء