وقد كان زيادة ذبَّ عن نفسه بالسيف فأصاب هدبة فجدع أنفه، فلما خلفوا الحي وأشرفوا على الثنية وجد هدبة شغيف الريح في أنفه، فذهب ينظر فإذا أنفه قد جدع، فقال لأصحابه: انتظروا حتى آتيكم، فوالله لا أعيش أبداً ورجلٌ قد جدع أنفي! فرجع إلى زيادة وهو يقول:
أحوسُ في الحيِّ وبالرمحِ خطلْ ... ما أحسن الموتَ إذا الموتُ نزلْ
فقد علمتْ أني إلى الهيجا عجل ... إني امروءٌ لا أقرب الضيَّم بغل
فقتله وأدرك أصحابه.
ثم إن هدبة أخذ أهله فجعل يوامر نفسه: إما يأتي القوم فيضع يده في أيديهم أو في بد السلطان. فأقبل حتى وضع يده في يد سعيد بن العاص وهو عامل معاوية على المدينة فأطلق من كان سجنه بسببه وسجنه هو، فقال في السجن أشعاراً كثيرة.
ثم عزل سعيد وولى مروان بن الحكم مكانه.
وإن بني عمه قالوا: لو زوجناه لعل الله أن يبقى منه خلفاً! فزوجوه وأدخلوا عليه امرأته في السجن، فلما رأت ما هو فيه هالها، فراودها فأبت عليه.
ثم رد سعيد إلى المدينة فبلغه أن امرأة هدبة أبت عليه، فأمرها أن تطيعه فوقع عليها فحملت فولدت غىماً سمته هدبة. ثم إن أصحاب هدبة أعطوا به عشر ديات، وأعطاهم سعيد بن العاص وكان يومئذ على المدينة مائة ألف درهم، فأبوا وكان سعيد لا يألو ماردهم، وأنه سألهم: هل لزيادة وليٌّ سوى