جذيمة عمراً وفض جموعه. فملك من بعد عمرو ابنته الزباء، وكانت تخاف أن يغزوها ملوك العرب، فبنت لنفسها حصاناً على شاطئ الفرات، وسكرت الفرات على قلة الماء، وبنت في بطنه أزجاً من الآجر، وأجرت عليه الماء، فكانت إذا خافت عدواً دخلت النفق، فخرجت إلى مدينة أختها الزبيبة. فلما اجتمع لها أمرها، واستحكم ملكها، جمعت لتغزو جذيمة ثائرة بأبيها، فقالت لها أختها زبيبة، وكانت ذات رأي وحز: إنك إذا غزوت جذيمة فإنما هو يوم ما بعده، وإن ظفرت أصبت ثأرك، وإن قتلت هلك ملكك، والحرب سجال، وعثرتها لا تستقال، ولم يزل كعبك سامياً على من ناواك، ولا تدرين لمن تكون العاقبة، وعلى من تكون الدائرة. والرأي أمن تحتالي له وتخدعيه وتمكري به!.
فكتبت الزباء إلى جذيمة تدعوه إلى نفسها وملكها، وأن تصل بلاده ببلادها، وأنها لم تجد ملك النساء إلا إلى قبح في السماع، وضعف في السلطان، وقلة في بسط المملكة، وأنها لم تجد لها كفواً غيرك، فأقبل إلي واجمع ملكي بملكك، وصل بلادي ببلادك، وتقلد أمري مع أمرك.
فلما قدم عليه رسلها وكتابها استخفه ذلك، ورغب فيما أطعمته فيه، فجمع أهل الحجا من ثقات أصحابه وهو بالبقة، فاستشارهم، فأجمعوا على أن يسير